نوع المستند : المقالة البحثیة
المؤلفون
1 أستاذ في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة شهيد مدني بأذربيجان، تبريز، إيران
2 ستاذة مشاركة في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة شهيد مدني بأذربيجان، تبريز، إيران
3 طالبة الدكتوراه في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة شهيد مدني بأذربيجان، تبريز، إيران
المستخلص
الكلمات الرئيسية
عنوان المقالة [English]
المؤلفون [English]
Stylistic studies address the linguistic features of literary works. Such studies attempt to reveal the aesthetic aspects of literary works and their prevailing features via the employment of linguistic tools. These studies aim to capture the shared points of the collected works of a poet or writer which is realized following examination of the stylistic aspects of works characterized by special themes. The Ode Kharif and Massa’e (autumn and evening) as an important ode of her works showcases the pessimism that overshadows the poet and the environment surrounding her poems. In this ode, she has adopted an inspiring, signifying tone as an exhortative and persuasive feature as part of a manifest style to communicate her pessimism. This is exactly the characteristic that has given this ode its literary prominence. The present study attempted to conduct a stylistic examination of pessimism in Fadwa Tuqan’s Ode Kharif and Massa’e as a quintessence of her works and then proceeded to analyze it at the phonetic, expressive, and syntactic levels via the adoption of an analytical-descriptive approach and stylistic theories. The research results revealed the natural consequences of two bitter, unpalatable incidents to be major factors in prompting the poet towards pessimism. The family disaster in the form of the loss of her brother on the one side and consecutive failures at the political level, particularly regarding the issue of Palestine on the other side imprisoned her in an endless loop of pessimism and distrust which gave rise to the dominance of death and nullity over her thinking and imaginations. Pessimism and resigning to unavoidable fate are closely associated with Tuqan’s poetic language and her particular poetic style to express concepts of desperation and pessimism. Using phonetic devices to express her emotions, Tuqan adopted the interrogative style to express uncertainty of the future, the bleakness of fate, and the impossibility of her wishes and desires. The expressive images portrayed in her poems and the lexicon she employed clearly denote her orientation towards despair and pessimism in her poems. Thus, defamiliarization was picked frequently in her works.
الكلمات الرئيسية [English]
نظرا لدور الدراسات الأسلوبیة الكبير وإسهامها في استجلاء المعاني والمقاصد والکشف عن الدور الوظیفي للأنساق اللفظیة في النص الشعري، فحظیت هذه الدراسات باهتمام الکثیر من الدارسین والباحثین. البحوث الأسلوبیة تمیز الکلام الفني من مستویات الخطاب الأخری؛ لأنها تعنى بدراسة الخصائص اللغویة التي تنقل الکلام من مجرد وسیلة إبلاغ عادي إلی أداء تأثیر فني.
إن الدراسات الأسلوبية تشمل جانبا واسعا من الدراسات الأدبية، حيث أخذت دورها في البحوث المعاصرة، وهذه الدراسات تشكل علاقة بين موضوع اللغة والأسلوب الأدبي، و«تعتبر وصفا من النص الأدبي الذي تأسس حسب علم اللسانيات» (المسدي، 1947م، ص 44). إن النص الأدبي في الدرجة الأولى نص لغوي لا يمكن تقييمه ونقده إلا بتحليل العلاقات اللسانية التي يتضمنها.
إذن فإن النص الأدبي إبداع لغوي بالدرجة الأولى والدراسة الأسلوبية «هي فن الإبحار في عالم اللغة العام، أو الخاص بالمبدعين للوقوف على التميز والتفرد؛ لذا قيل إن التناول الأسلوبي للنص الأدبي يأتي من تنظيرات مسبقة ترى في اللغة الأدبية خواص التنوع الفردي المتميز في الأداء بما فيه من وعي واختيار» (زرقة، 2002م، ص 334).
يفرق عبده الراجحي بين الدراسة التي يقوم بها علم اللغة والدراسة التي يقوم بها علم الأسلوب بقوله: علم اللغة يدرس ما يقال في اللغة، أما علم الأسلوب فيدرس كيف يقال ما في اللغة (1981م، ص 117)، أي إن معالجة الكيفية النصیة في المستوی اللغوي لا یخرج عن إطار التميز والتفرد الذي تتمتع به اللغة الأدبية والاختصاصیة في الاستخدام اللغوي والتعبیر اللغوي مقابل التوحد والتلقائية التي هي جوهر اللغة العادية والأخبارية.
ومن هنا، يرى الأسلوبيون أن اللغة الشعرية في ارتباطها بالإبداع والتجاوز عن المعیاریة والمألوفة تتميز بكسر القواعد النحوية أو اللغوية العامة بدرجات متباينة وتتمتع بالحالة التعبیریة المختصة، ونتیجة الوعي الإبداعي للشاعر تتعارض قواعد اللغة الشعرية مع القواعد الموضوعة التي تحدد اللغة المعيارية؛ فمن الضروري النظر إلى الأسلوب باعتباره انحرافاً عن اللغة المواضعة وباعتباره نمطاً متميزا عنها، وإذا كانت لغة المواضعة هي المعيار الأول؛ فإن الدراسة اللغوية للأسلوب تبحث عن كيفيات هذا الانحراف (عياد، 1981م، ص 126).
والتجاوز في معیاریة اللغة المستخدمة والسمات اللسانیة المرتبطة بالشاعر المعاصر في بعدها الوظیفي وارتباطها بالمعاني والخلجات النفسیة وأهمیة الأسلوبیة في فهم المقاصد والمعاني، مما یدفعنا إلی الخوض في هذه المقاربة الأسلوبیة لاستجلاء المقاصد والمعاني وبلوغ الفهم الحقیقي والمعرفة الکاملة بقصیدة فدوی طوقان من خلال الرؤیة الأسلوبیة إلی هذه القصیدة في المستویات المختلفة ولا یخفی الدور الهام الذي تضطلع به الأسلوبیة کمنهج نقدي في فهم النص وسبر أغواره بعد تجاوز الظاهر اللساني.
تسعى هذه الدراسة الإجابة عن السؤالين:
ـ ما أهم الأدوات اللغوية والأنساق الشعریة التي استخدمتها الشاعرة للتعبير عن هواجسها وخوالجها النفسیة؟
ـ ما العلاقة بین هذه الأنساق اللفظیة والبنیات اللغویة ونفسیة الشاعر؟
کثرت دراسات تناولت شعر فدوی طوقان وأخذتها بالفحص والتحلیل. نخص بالذکر بعضها الذي یرتبط بموضوع دراستنا هذه: دراسة البناء الفني في شعر فدوی طوقان، لبوزيد كحول (1980م)؛ قامت الرسالة بدراسة البنية الفنية لشعر فدوى طوقان وتوصلت إلى أن شعرها يتمتع بالغنائية والدرامية للتعبير عن عواطفها الخاصة والأحاسيس الجماعية والتجارب العامة.
وهناك مقالة عن شعر طوقان تحت عنوان الموت في شعر فدوی طوقان، لهاشم صالح ضاع (1983م)، وهي دراسة لموضوع الموت وتمظهراته المختلفة في شعر الشاعرة، وتشیر النتائج إلی أن الموت الذي تتحدث عنه فدوى ليس الفناء والهزيمة والسحق، بل هو ميلاد حضارة جديدة وهو مصير الحياة.
رسالة البنیة الإیقاعیة في شعر فدوی طوقان لمسعود وقاد (2004م)؛ فبحث الباحث فیها عن الإيقاع والجرس في شعر الشاعرة وکشف عن التلائم التام بین البحور الشعریة ونفسیة الشاعرة.
هناك مقالة معنونة بتحلیل نمادین رنگ در اشعار فدوی طوقان (= دراسة اللون في أشعار فدوی طوقان دراسة رمزیة)، لعزت ملاابراهیمى وآزاده آزادى (1395ﻫ.ش)؛ وهي دراسة تحلیلیة للدور الدلالي للألوان في قصائد الشاعرة.
ومقالة تأثیر پایداری فلسطین بر گفتمان انسانى در دیوان فدوی طوقان (= أثر المقاومة الفلسطینیة في الخطاب البشري في دیوان فدوی طوقان)، لنوید پیری والآخرین (1397ﻫ.ش)؛ فالمقالة ـ خلافاً لعنوانها ـ دراسة لتمظهرات المقاومة ومؤشراتها في شعر الشاعرة.
ومقالة ظاهرة التناص في أشعار طوقان، لریحانه ملازاده (1393ﻫ.ش)، وهي دراسة عابرة لأنماط التناص في شعر الشاعرة.
وأما فیما یخص القیام بدراسة الأسلوبية لمضمون محدد من شعر فدوى طوقان فلم ينشر بحث حسب تنقيب الباحثین. فإن ما تقوم به هذه الدراسة هو خلق العلاقة بين أسلوب الشاعرة ومفهوم التشاؤم وكيفية ظهور هذه الحالة النفسية في طيات شعرها.
ولدت الشاعرة فدوى طوقان عام 1917م في نابلس بفلسطين، وتوفيت في هذه المدينة عام 2003م. تلقت الشاعرة تعليمها الابتدائي في مسقط رأسها. إن الظروف السیاسیة والاجتماعیة حالت دون مواصلة الدرس والمطالعة، فكان لعدم تمكنها من استمرار درسها أثر سلبي في نفسيتها (طوقان، 1958م، ص 53)، حیث خلق الحالة الانطوائیة الدائمة عند فدوی طوقان. بعد وفاة أبيها، تكفل أخوها إبراهيم طوقان تربيتها، حیث خلق الحالة الانطوائیة الدائمة عند فدوی طوقان. بعد وفاة أبيها، تكفل أخوها إبراهيم طوقان تربيتها؛ تجلی عند الشاعرة منذ صغرها حب المطالعة وحب الثقافة حتى شهدت تطورا لافتا فبدأت بإنشاد الشعر في سن الحداثة (بکار، 2004م، ص 7).
عانت فدوى طوقان من حالة الانفراد والغربة والأسر في قيود التقاليد العرفية طيلة حياتها والظروف التي حرمتها من الدراسة والحياة الرغيدة التي تعيشها وتتمتع بها النساء في الدول المجاورة (ضاع، 1983م، ص 59). فضلا عن ذلك، إن الحزن الناجم من وفاة أخيها إبراهيم وبعدها مصيبة وطنها فلسطين كان لهما الصدى الأكبر في الحزين (بنت الشاطئ، 1958م، ص 148)، حیث خلق الحالة الانطوائیة الدائمة عند فدوی طوقان.
ديوان وحدي مع الأیام أول أعمال طوقان الشعریة یحکي عنوانها عن معاناة الشاعرة ووحدتها. هناك عدد من قصائد في هذا الديوان تشير إلى هذه الحالة النفسیة المضطربة للشاعرة ومعاناتها وعذاباتها في الفقد والحرمان مثل قصائد: أشواق حائرة، ولیل وقلب، وأوهام في الزیتون، وفي درب العمر، وغب النوی، والصدی الباکي، وفي محراب الأشواق، ووأنا وحدي مع اللیل، ومن وراء الجدران، ومع لاجئة في العید، وعلی القبر. وعند إمعان النظر في الکثیر من عناوین قصائد هذا الدیوان، نری التشاؤم واضحا في الأشعار کله ومسیطرا علی کل کلمة تقولها.
يرى رواد الأسلوبية أن طبيعة العمل الأدبي رهينة ببنائه اللغوي وأنهم یرفضون الاعتقاد بأن العمل الأدبي ینحصر علی صورة بحتة ومعنى فقط، ویؤکدون علی الارتباط العمیق بین المعاني والمشاعر والأفكار والعواطف، وهي في هذا الاتجاه مرتبطة بالجوانب اللغوية (شمیسا، 1388ﻫ.ش، ص 162).
يتسع مفهوم البناء الفني لديهم ويشتمل على عناصر أدبية متعددة كالألفاظ والتشبيهات والاستعارات والإیقاع وغيرها. يرى أصحاب الأسلوبیة أن الميزة الخاصة بالنص الأدبي في جزء کبیر منه تتأتی من الانزياح وخروج النص عن الحالة الاعتيادية للغة بواسطة الموازنة الإيقاعية أو الانزياح المستخدم فيه، وبلغ هذا الاهتمام لدی البعض درجة دفعتهم إلی القول بأن القیمة الجمالية والبنيوية للنص الأدبي أهم من الفكر والخيال والشعور، أي أن القيمة الأدبية تكمن في البناء الفني للعمل الأدبي (وهبة، 1974م، ص 178).
لفظة التشاؤم من الناحیة اللغویة تأتي من جذر "شأم" وجاء في كتب اللغة: أن شَأَم عليهم يَشْأَمُهُم شَأْمًا، فهو شَائِم؛ إذا جَرَّ عليهم الشؤم أَوْ أَصابَهُم شُؤْم من قِبَله (ابن منظور، 1414ﻫ، ج 12، ص 315). "شأمهم شأما" أي جر عليهم الشؤم، ويقال: "شأم عليهم وتشاءم" أي تطير به وعده شؤما (أنيس وآخرون، 1386ﻫ.ش، 499).
والتشاؤم اصطلاحا يعني سوء الظن والفكر السلبي وهو النظرة السلبية، والمتشاؤم هو الذي تملك هذه الخصيصة والذي لم يكن يرى خيراً وفائدة في الكائنات فحسب، بل يراها عين الضرر والفساد (خورسندی، 1386ﻫ.ش، ص 104)، مما یخلق عند المتشائم حالة من النفسیة المتدحرجة والانطوائیة المغلقة. والتشاؤم عادة یدفع صاحبه إلی القطیعة مع الآخرین ویخلق دنیاه الخاص الموسومة بالسلبیة.
وکان التشاؤم ولایزال من ظواهر الشعر العربي منذ العصر الجاهلي حتی الیوم، ومازال نری الشعراء یعکسون في أشعارهم حالة تشاؤمهم بالنسبة للحیاة وظواهرها. ومنهم نموذجا أبو العلاء المعري، فهو من أبرز شعراء الأدب العربي في العصر العباسي الذي كان دائماً يشكو ظروف أيامه ويمثل نزعة التشاؤم في كثير من قصائده.
تتضمن النزعة التشاؤمية نوعا من السلبیة، حيث يعکس الشاعر مشاهد حزينة سلبیة مغلقة في دوامة من المعاني السلبية التي تؤدي إلى الإحباط، فيكثر لديه ذكر الموت والزوال ويردد كثيرا من الألفاظ الدالة على اليأس والعدمية وتأتي الأفكار الفلسفية التي تعبر عن العدمية وعبثية الحياة كما نری عند أبي العلاء. وما لا بد من الالتفات إلیه فيما یرتبط بظهور التشاؤم لدی البعض هو أن التشاؤم وظهوره في شعر المتشائمین نتیجة في بعض الأحیان للظروف المحیطة بالشاعر والبیئة التي یعیش فیها.
وفي الحقیقة أن الظروف المعيشية والاجتماعية والنفسية والجسمية لها أثر بالغ في انطباع الشعر بنزعة محددة، کما رأینا عند أبي العلاء المعري، وهو كان كفيف البصر وحرم من كثير من ملذات الحياة بسبب فقدانه هذا الشعور بالفقدان، مما أدى إلى انطوائه وعزلته وظهور التشاؤم في شعره. فيما يخص فدوى طوقان كما أشرنا، فإن الظروف الاجتماعية وبعدها احتلال وطنها فلسطين كان لهما أثر كبير في تكوين طابع التشاؤم واليأس في شعرها وانعکست ذلك کلها في أشعارها فصار شعرها صورة عن نفسیتها المتشائمة والمضطربة.
تتم دراسة قصيدة خريف ومساء لفدوى طوقان في ضوء الأسلوبیة في عدة محاور: المحور الأول هو المستوى الإيقاعي الذي ينقسم إلى جانبين: الموسيقى الداخلیة، والموسیقى الخارجیة؛ والمحور الثاني هو الجانب المعجمي وتحليل المفردات والألفاظ التي وظفتها فدوى طوقان في هذه القصيدة؛ والمحور الأخیر هو دراسة ظاهرة الانزياح؛ ومن ثم دراسة المستوى الترکیبي في قصيدة خريف مساء.
تنقسم الموسیقی إلی النوعین: النوع الأول هو الموسیقی الداخلیة، والنوع الثاني هو الموسیقی الخارجیة. والموسیقی الخارجیة تتمثل في الوزن المستخدم في الشعر. وفي الحقیقة أن الإیقاع التي تهتم بها الدراسة الأسلوبیة تنقسم إلی الخارجیة التي تنتج عن الوزن العروضي والقافیة والداخلیة التي تتمثل في التراکیب الصوتیة للکلمات وسمات الأصوات، ومنها الجناس والسجع (انصارى، 1427ﻫ، ص 42).
وأما دراسة الموسیقی في قصیدة فدوی طوقان فتکشف أن الشاعرة استخدمت في هذه القصیدة بحر الرمل من بین البحور الشعریة:
ها هي الرَّوضةُ قَدْ عاثَت بِها أَیْدي الخَریفِ |
|
فاعِلاتُن / فَعِلاتن / فاعِلاتُن / فاعِلاتن |
عَصَفَت بِالسُّجفِ الخضر وألوَتْ بالرَّفیفِ |
|
فَعِلاتن / فَعِلاتُن / فَعِلاتُن / فاعِلاتُن |
تعس الإعْصارُ کَم جارَ عَلی إشْراقها |
|
فَعِلاتُن / فاعِلاتُن / فاعِلاتُن / فاعِلاتُن |
جَرَّدَتْها کَفّه الرَّعْناءُ مِنْ أَوْراقها |
|
فَعِلاتُن / فاعیلاتن / فاعِلاتُن / فاعِلا |
(1993م، ص 10).
تستخدم الشاعرة الرمل من بین البحور الشعریة. فعند التمعن في هذا الوزن، یتبین أنه یصیبه زحاف الخبن وتصیبه علة الحذف في الضرب في الکثیر من الشطور. وأما من ناحیة الدلالة فاستخدام هذا البحر جاء علی أساس القصد والهدف من دون التلقائیة والاعتباطیة؛ وهذا البحر یتسم في العروض العربي بالسهولة في النطق، ومن أهم أغراض هذا البحر الرثاء (معروف، 1394ﻫ.ش، ص 85).
واستخدام هذا البحر في هذه القصیدة جاء من جهة؛ لأنه یتناسب مع خلق فضاء القصیدة والأرضیة المناسبة للألفاظ، ومن جهة أخری یتلاءم مع الجو العام للقصیدة وفضاء النص الشعري والموضوع، وهو التشاؤم. وکذلك سهولة النطق في هذا البحر یمهد الطریق للتعبیر عن سیطرة التشاؤم والاعتقاد بالعبثیة والزوال المحتوم.
4ـ2. الموسیقی الداخلیة
إن الإيقاع الذي تخلقها الكلمات والحروف في النص الأدبي له علاقة مباشرة بمشاعر الشاعر ونفسيته (بدیدة، 2011م، ص 21). فمن الطبيعي أن لكل صوت مخرج وصفات خاصة به ومخارج الحروف وصفاتها لها علاقة فنية وشعورية مع معنى الكلمة ودلالتها (عبد الدایم، 1993م، ص 27).
یقول إبراهيم أنيس في كتابه موسيقى الشعر أن الشعر فن من الفنون الجميلة، مثله مثل التصوير والموسیقى والنحت، وهو في أغلب أحواله يخاطب العاطفة ويستثير المشاعر والوجدان، وهو جميل في تخير ألفاظه، جميل في تركيب كلماته، جميل في توالي مقاطعه، وانسجامها، بحيث تتردد وتتكرر بعضها فتسمعه الآذان موسيقى ونغما منتظما (1952م، ص 5).
فعند ابتداء مرحلة المخاض الشعري وعند اتضاح الرؤية الإبداعية لدى الشاعر، تأتي مرحلة اختيار الأصوات مع ما يناسبها من معانٍ، وذلك حسب طبيعة المعنى المراد ونوع الإفصاح عنه، فيكون الجهر والشدة والإطباق والاستعلاء للمعاني القوية كالفخر والغضب والألم ويكون الهمس والرخاوة والانفتاح للمعاني الضعيفة أو الحساسة كالحزن والحسرة والحنين (بدیدة، 2011م، ص 21).
إن اختيار الألفاظ واستعمالها في سياق التعبير الأدبي خاصية أسلوبية، حيث إن القيمة الذاتية للفـظ تكتسب أهميتها من خلال اتساقها وتلاؤمها مع سائر الألفاظ، فتكسب الكلام نغما موسیقائیا مؤثرا في نفسیة المتلقي. فالفنون البديعية التي أشارت إليها كتب البلاغة القديمة يمكن إدراجها ضمن دائرة الموسيقى اللفظية.
4ـ2ـ1. التکرار
یعد التکرار من أبرز مظاهر الإیقاع في القصیدة المعاصرة یعتمد علیه الشاعر للإلحاح علی المعاني أو التأکید علی جانب مهم من المعاني بالترکیز علیه عبر التکرار بوصفه وسیلة الشاعر للتأکید والترسیخ في مستوی المعاني. والتکرار یکون في الألفاظ أو الحروف أو الجمل.
ومن النماذج البارزة لظاهرة التکرار في قصیدة فدوى طوقان يمكن الإشارة إلى تکرار الجرس والتلاؤم الوزني في مستوی الألفاظ. الشاعرة جعلت انسجاما بين الجانب الإيقاعي والجانب الدلالي منذ بداية القصيدة. على سبيل المثال، نرى في البيت الأول يتكرر فيه حرف "الهاء" ثلاث مرات: "ها هي الروضة قد عاثت بها أيدي الخريف"، «إن حرف الهاء بسبب تواتر الارتعاش المحدث في الصوت تدل على الاضطراب النفسي» (عباس، 1998م، ص 189).
وهذا يشير إلى نفسية الشاعرة المضطربة غير المستقرة واليائسة وغیر الثابتة في المناخ المعیشي المضطرب، حیث یضیق علیه الخناق حد الموت. في المقطع نفسه، نرى الشاعرة تستخدم حرف "الفاء" بصورة مكررة: "عصفت بالسَجف الخضر وألوت بالرفيف"، فـ«إن هذه الحرف بسبب رقة صوته غالباً ما يضفي طابع الضعف والفتور في الكلمات والعبارات التي يتكرر فيها هذه الحرف» (المصدر نفسه، ص 137). في مقاطع أخرى، تقوم فدوى طوقان بتكرار كلمات خاصة تبرز فيها الموسيقى الداخلية:
الرَّوْضُ للنَّضَرةِ والخـصبِ وَالسري |
سَيَعودُ النُّورُ رفّافاً مَعَ الفَجْر الطَّريّ |
غَيْر أَنّي حينَما أَذْوي وتذوي زهراتي |
غَيْر أني حينما يَخْبو غداً نورُ حَياتي |
كَيْفَ بعثي مِنْ ذُبولي وَانْطِفائي الأَبدي؟! |
(1993م، ص 11).
تؤكد لفظة "سيعود" على العودة واسترجاع الماضي النضر للحديقة وتشير إلى أمل الشاعرة الذي لا سبيل لتحقيقه، وكأنها تعبر عن حسرتها بهذا التكرار وتوقها الشدید إلی تلك النضارة في العیش وفي التواصل، حیث تذکر شغفها إلی تلك الأیام عبر التکرار.
إن هذا الانطباع يمكن فهمه من التكرار الموجود في العبارات التالية في نفس المقطع، عندما تقول: "غير أني حينما"، هذا يشير إلى يقين الشاعرة بفناء الشباب وعدم عودته وزوال الحياة النضرة، ونری في المصراعين الأولين لهذه القصیدة تكرارا لحرف "الراء"، والترجیع الصوتي لصوت الراء یتناسب والفضاء العام للقصیدة وفکرة الزوال والانتهاء عند الشاعرة، کما تنبعث عن هذا الترجیع الصوتي الغضب والاشمئزاز علی المصیر المحتوم للإنسان والذبول والفناء، وعندما تشير إلى نفسها تستخدم حروفاً رخوة مع أفعال تدل على الزوال يأتي فعل "ذوى" مرتين، وعندما يتكرر يتوقف جرس الأبيات ليدل على الفناء، ثم في المصراع الآخر تستخدم فعل "تخبو"، وهذا أيضا يزيد المشهد تشاؤما ومأساة.
ومن صور التکرار في هذه القصیدة هو تکرار الجرس أو استخدام المفردات ذات الرنین المتوازي والمشترك، وهذا التماثل بين المفردات یمثل نوعا من التکرار. ونری في هذه القصیدة التماثل والتوازي في الجرس وفي العروض والضرب، ویأتي العروض والضرب في هذه القصیدة علی جرس الفعیل والفعول أو الأوزان الأخری. وهذا التماثل یسهم في شد الانتباه إلی النص وخلق حالة سرعة القراءة المتأتیة من التماثل.
ومن أنماط الموسیقی هو الاتساق الذي ينبعث عن المفاهيم والمعاني التي یحتویها العمل الأدبي. و«عندما يمكننا توسيع الموسيقى إلى مجالات متوازنة ومتقارنة، ففي هذه الرؤية وهذا العمل التوسعي يمكن لنا اعتبار الشؤون الذهنية والاستدراكات والخواطر (المفاهيم المجردة) نوعاً من الموسيقى أيضاً؛ ونحن نطلق على هذا التوازن والتقارن الذهني والمجرد عنوان الموسيقى الدلالية» (شفیعی کدکنی، 1384ﻫ.ش، ص 296).
من الجوانب الموسیقائیة الأخری في شعر فدوى طوقان هو جانب الإيقاع الدلالي المتكون من الموازنة والاقترانیة في عبارات القصيدة باستخدام الفنون البديعية. ومن صور هذه الموسیقی الدلالیة ما نشاهد في قول الشاعرة:
وَأنَا في شرفتي، أُصغي إلى اللَّحْنِ الأخير |
وقَعته في وداعِ النُّور أجْواقُ الطُّيور |
فَيُثير اللَّحن في نفسي غَمّاً واكتئابا |
ويشيع اللَّحْنُ في روحي ارتباكاً واضطرابا |
أي أصــــداءٍ لَه تصدم أغوارَ شعوري! |
(1993م، ص 11).
تقوم الشاعرة في هذا المقطع بمزج الموسيقى بالمعنى والبناء معا؛ من جانب المعنى لأنها تستمع إلى اللحن الأخير وأغنية الوداع التي تنشدها وتعزفها أجواق الطيور فتثير في نفسها الحزن الشديد والتوتر والاضطراب. إذن فالموسيقى الدلالية تتكون من تناغم الألفاظ التي تقع في دائرة دلالية واحدة يعبر عنها في البلاغة بأنها مراعات النظير، وهي "الإصغاء، والوقع، والأجواق، واللحن والأصداء"؛ فهذه الألفاظ عندما تقع جنبا إلى جنب بعض تكوّن إيقاعا دلاليا ناتجا من انسجامها معاً.
وأيضا هناك دائرة دلالية أخرى نرى ألفاظها مجتمعة في هذا المقطع، وهي التي تدور في دوامة الحزن والزوال وهي "الأخير، والوداع، والغم، والاكتئاب، والارتباك، والاضطراب، والصدمة". إن حضور هذه الكمية الكبيرة من الألفاظ السلبية تشكل نغما حزينا موحيا بالنهاية والوداع، ومن جانب آخر يحيك ذهن المخاطب حالة من التوازن والانسجام بين الألفاظ التي تكوّن الأبيات.
المستوى المعجمي في الدراسة الأسلوبیة إشارة إلی مجموعة العلامات اللغوية التي تشكل بنیة النص تشكيلاً جديداً في سياق يشحن هذه الألفاظ المعجمية بالحمولات الدلالیة والسياقية التي يتفرد بها النص الشعري، وهي التي تشكّل حقوله الدلالية التي تعد البنى الصغرى لبنية النص الكبرى (شرتح، 2018م، ص 38).
لا تكون اللفظة مجرد تعبير عن مفهوم بسيط، بل للألفاظ فاعلیتها غیر محدودة ومحصورة في النص، وخاصة في النص الشعري المعاصر؛ ودراسة النص الشعري في المستوی المعجمي للنص تتم من خلال العکوف علی البنیات اللغوي للنص الشعري والمحاولة للکشف عن خاصیة الألفاظ المستخدمة وبیان الترابط المنطقي والتراتبي بین الألفاظ في السیاق النصي ودراسة العلاقات الدلالیة بین الألفاظ المستخدمة.
فيما يلي، نقوم بدراسة المستوى المعجمي لهذه القصيدة ونتناول جوانب الانزياح والمفردات والمستوى النحوي باعتبارها الميزات الأكثر ظهورا فیها.
الانزياح ظاهرة شعریة تظهر بکثافة في الشعر العربي المعاصر. ونری الشعراء المعاصرین یعملون علی کسر العلاقات بین الألفاظ في أشعارهم في إطار الانزیاح وخرق المعیاریة والمألوفة بین الألفاظ لبلوغ الإبداع في أشعارهم وزیادة القدرات الدلالیة الإیحائیة للشعر. الانزیاح بوصفه من الثوابت التعبیریة في الشعر المعاصر هو استعمال المبدع للمفردات والتراكيب والصور استعمالاً يخرج بها عما هو معتاد ومألوف حيث یکسب الشعر صفة التفرد والإبداع (ویس، 2005م، ص 49).
يقال إن الشعر جوهر يقيم علاقة بين الألفاظ التي تتنافر من بعضها في الاستخدام القائم علی اللامعیاریة والصدفة، فتجد لنفسها مفهوما جديدا عندما تقع إلى جانب بعضها في نص أدبي (عبد اللطیف، 1990م، ص 10). وهذا الکسر للعلاقات المألوفة والمعتادة بین الألفاظ والمفردات في النص الشعري والتنضید اللغوي الخاص المتسم بالغربة في الارتباط بین الألفاظ مما یحقق للشعر حیویته وفاعلیته ویخلق الإبداع فیه، وهذا النمط التعبیري مرتکز الشاعر الأساسي في تعبیره.
یعد الانزیاح من المسمیات الجدیدة التي اهتمت بها البلاغة العربیة قدیما تحت المستویات والأسالیب المختلفة والمتعددة من المجاز المرسل والمجاز العقلي والاستعارة والكناية، وفي صورته الجدیدة یتأتی من استخدام الأنماط البلاغیة المختلفة. وفي القصیدة خريف ومساء، تستخدم الشاعرة الانزياح بصورة مكررة عبر الاستعارات ولاسيما الاستعارة المكنية. نشير إلى نماذج منها فيما يلي:
الخريفُ الجهمُ، والريحُ، وأشْجانُ الغروب |
ووَداعُ الطَّيْر للنُّور وللرَّوْض الكئيب |
كلُّها تمثل في نفسي رمزاً لانتهائي! |
رمزَ عُمرٍ يتهاوى غاربا نَحْو الفناء |
فترةً، ثم تلفّ العمر، أستار المغيب |
(1993م، ص 11).
ومن الأنماط البلاغیة في هذه القصیدة هو حضور التشبیه ومحاولة خلق حالة التماثل، مما یحقق للشعر الانزیاح ونوعاً من الإبداع والجدة في النص الشعري من خلال المحاولة لإسقاط الصفات الإنسانیة علی الخریف في القصیدة. ففي البداية، تجسم الشاعرة الخريف، وكأنه إنسان حيّ له وجه مضيء؛ ويتسم هذا الوجه بالجهامة والعبوس. في الواقع، الجهم صفة للوجه؛ لكنها حذفت الوجه وجاءت بصفته ليكون دالاً عليه.
ثم الصورة الثانية في هذا المقطع هي "أشجان الغروب" التي تصور الشاعرة فيها الغروب، وكأنه إنسان لديه أمور تشجيه، وهذه الأشجان هي التي تثير الحزن في وجود الشاعرة ساعة الغروب. ثم تركيب "وداع الطير" الذي تصور الشاعرة فيه الطير، وكأن لها بيوت وأهل فتودّع في الساعة التي تهيج الأحزان لديها.
والصورة الأخرى هي "الروض الكئيب"، فالروضة هنا إنسان كئيب وتسقط علیها الشاعرة صفة الکآبة للتعبیر عن الذبول وانطفاء الحیاة بالصورة الفنیة، ومن خلال إحیاء الروضة بخروجها من دائرتها إلی دائرة المتحرکات المتمثلة في الإنسان الکئیب.
وما یترآی لنا عند النظرة الشمولیة إلی الصور الشعریة لهذه القصیدة التي استخدمت فیها الشاعرة هو الاستعارة المکنیة بحذف المستعار منه والإشارة إلى أحد لوازمه، أي الجهم، وأشجان، ووداع وكئيب، هو أن الخريف الجهم هجم ساعة الغروب على الروضة، فطارت طيورها وغادرت وعندما عاث فيها الغروب أصحبت الروضة يابسة وكئيبة، وتعلِّق الشاعرة على هذه الصورة بأن جميعها رموز ترى من ورائها زوالها وفنائها، وتأتي بصورة أخرى "عمر يتهاوى غارباً نحو الفناء" تصور العمر وكأنه إنسان يجري نحو الفناء، ثم يذهب وتلفّه أستار المغيب وغیاهب الفناء والزوال، وکأنه یجري إلی الزوال والخسران.
وفي جميع هذه التراكيب، تخرج الشاعرة عن البيان المألوف والمباشرة في التعبیر بالاعتماد علی الاستعارة لتنزاح بها اللغة الشعریة عن المعیاریة والمألوف بعد إضفاء الصفات الإنسانیة علی الرموز المستخدمة في هذه القصیدة. ومن شأن هذه العملیة، شحن النص بالطاقات الجمالیة والدلالیة والإیحائیة، وکأننا أمام صورة شعریة متحرکة ترتسم کآبة الشاعرة وذهولها والرؤیة التشاؤمیة لدیها. وکذلك نرى هذه الخصائص في وصفها للروضة الفانية:
ها هي الروضة قد عاثت بها أيدي الخريف |
عصفت بالسُّجُف الخُضرِ وألوت بالرفيف |
تعس الإعصارُ، كم جار على إشراقها |
جرَدتها كفُّه الرَّعناء من أوْراقِها |
عريت، لا زهرٌ، لا أفياءٌ، لا همسٌ حفيف |
(1993م، ص 10).
استخدمت الشاعرة في هذه الأبيات الاستعارة المكنية لتصف الخريف الذي جاء إلى الروضة كعدو مدمر عاث فیها وجعلها مجردة من خضارها ونضارتها، وعندما أرادت أن تشبه الخريف بالعدو الغاشم، استخدمت أحد لوازم العدو، وهو "اليد" ونسبتها للخريف في إطار الاستعارة المکنیة. وکذلك وظفت استعارة أخرى من خلال خلق حالة التشابه بین خضار الروضة والسجف، أي الستائر الخضر، وهذه إشارة إلى تساقط أوراق الأشجار، حيث تصبح الأغصان عارية عندما تعصف بها رياح الخريف.
ثم تأتي بصورة أخرى، وهي الحديقة المجردة، وكأنها فتاة ذات ثوب جاء الخريف وجرّد منها ثوبها الأخضر الجميل؛ تصف يد الخريف بأنها يد رعناء، وهذه استعارة مكنية أيضا. وهذا هو الانزياح الكامن في هذه الفقرة الشعرية التي تعطي صوراً خيالية من الخريف والروضة خلافاً لما هو معتاد ومألوف في الوعي الإنساني بالصورة الحقیقیة للخریف والروضة والهیکلیة الإنسانیة التي تکتسبها کل من الروضة والخریف نتیجة لحضور فضاء الخیال وإطلاق الخیال في الفضاء الشعري والمحاولة لعملیة الإخراج من الدائرة الحقیقیة إلی دائرة أخری تحقق شعریة التعبیر للغة الشعر، واهتمت الشاعرة بهذه العملیة لتجعل من النص الشعري صورة فنیة في غایة الحرکة والإبداع في التعبیر عن معاني الفناء والزوال والنهایة المؤلمة للإنسان.
في المقطع التالي لقصيدة خريف ومساء، تستخدم الشاعرة مرة أخری الاستعارة المکنیة من خلال أنسنة الإعصار وتشبیهه بشخص جائر ظالم یضمر في نفسه العداوة والبغضاء للروضة ویشن علیها الهجوم ویجرّها إلی الخراب بيده العابثة الفتاكة ويجعلها فارغة من جميع جمالياتها وینزع عن الروضة رونقها وبهائها عندما تقول:
ها هي الريحُ مضت تحسر عن وجهِ الشتاءِ |
وعروقُ النورِ آلت لضمورٍ وانطفاء! |
الفضاءُ الخالد اربدَّ وغشَاه السحابُ |
وبنفسي، مثله، يجثم غيمٌ وضباب |
وظلالٌ عكستها فيَّ أشباحُ المساء! |
(1993م، ص10).
ترسم الشاعرة نهایة الروضة نحو الفناء والعدمیة، عندما تقوم بتوظيف الفنون البلاغية، فالرياح أصبحت ذات أرواح وتُظهر وجه الشتاء بدلالته المألوفة عندما تتساقط أوراق الشجر؛ وفي صورة أخرى، ترسم عروق الأزهار التي أصبحت نحيفة وفقدت حيويتها ونشاطها، فتكمل الشاعرة هذه اللوحة باستخدام اللون وتضفي اللون الرمادي على أجواء الروضة وتصوّر الجو الغائم كي تزید قدرات الصورة التعبیریة والإیحائیة وتعمق دلالات الصورة علی معاني الحزن والجمود واليأس في صورة الروضة المدمرة.
هناك صورة طريفة تصنعها الشاعرة عندما تقول: "آلت العروق لضمور وانطفاء"، فالضمور يجوز أن يكون منسوبا حقيقیا إلى العروق؛ لكنها استخدمت بعده الانطفاء، وكأن في العروق نور، أقامت العلاقة بين العروق والانطفاء؛ لأن العروق هي مصدر الحياة والحياة تظهر إحدى تجلياتها بالنور، وفي مآلها إلی الضمور والانطفاء تعبیر عن الزوال والنهایة والذبول للعروض.
هنا كذلك نجد علامات اليأس والتشاؤم، في عبارة "الريح مضت"، تشير فدوى إلى المضي والانتهاء؛ لأنها في مضيّها قامت بتدمير وجه الروضة ولم تُبقِ شيئاً من جمالها، ثم الانحسار عن وجه الشتاء؛ فالشتاء رمز للجمود والبرد وهو الفصل الذي یلي الخریف. فإن كان الخريف عاث بأوراق الشجر فإن الشتاء وصل به الأمر إلى القضاء على جذور الأشجار، فانطفأ نور الحياة فيها.
هذا المقطع كالمقطع السابق مشحون بالمشاعر السلبية والصور الكئيبة الماثلة في نفسها فكما أن الحديقة أصبحت في الشتاء مساراً للضباب والغيم والحالة الغامضة التي لا تظهر معالمها، فقد أصبحت نفس الشاعرة كهذه الحديقة، عاثت بشبابها ونضارتها الأقدار والظروف الاجتماعية وحوّلتها إلى كيان خامد لا یجول في خاطرها إلا الموت والنهاية ولا ترى في خيالها سوى أشباح المساء.
ترسم الشاعرة في مقاطع أخری من القصیدة مشاهد شعریة أخری تعبّر عن حالة من اليأس والتشاؤم وخيبة الأمل. وفي الحقیقة، أن الصورة الشعریة تحکي عن الحالة النفسیة للشاعرة بما فیها من الاضطراب والکآبة والحزن؛ لأنها ترى نفسها كهذه الحديقة التي فقدت كل رونقها وحيويتها ولا دافع لها لاستمرار الحياة، حياتها مزيجة من الغيوم والضباب. الغيم دلالة علی نفسيتها اليائسة والضباب يشير إلى الظلمة وغموض المستقبل الذي تتوقعه ولا تعرف عنه شيئا؛ لأن معالمه داكنة غير واضحة للعيان فهي تعيش بانتظار مستقبل مجهول غامض كئيب.
ومن الظواهر الأسلوبیة التي تؤكد حضور التشاؤم والسلبية لدى فدوى طوقان تكرار الألفاظ الدالة على الموت وفناء الحياة وألفاظ أخرى لها دلالة واضحة على التشاؤم المرسخ حضوره علی الأجواء الشعریة للشاعرة في کل أحوالها وفي کل أعمالها منذ بداياتها الشعرية، وانعكست الحالة التشاؤمیة علی جميع ملامح حياتها، فهي التفكیر بهذا الموضوع الحتمي، وإن كانت تنظر إلى الطبيعة الجميلة، والصورة الماثلة في بالها هي أن الطبيعة الغنّاء المفعمة بالحيوية سوف تؤول إلى الدمار والفناء أيضاً، تقول في ذلك:
ها هي الروضة قد عاثت بها أيدي الخريف |
عصفت بالسَجف الخضر وألوت بالرفيف |
تعس الإعصار، كم جار على إشراقها |
جرَدتها كفُّه الرعناء من أوراقها |
عريت، لا زهر، لا أفياء، لا همس حفيف |
(1993م، ص10).
وعند دراسة المستوی المعجمي، يمكن الإشارة إلى ألفاظ "عاثت، وألوت، وعصفت" في المستوى الاستبدالي؛ لأن جميعها مترادفة وتقع تحت حقل دلالي واحد يشتمل معاني الفناء والدمار والتلف (بالمر، 1995م، ص78). فيما يخص ألفاظ "جردت وعريت"، ینطبق هذا الشرح والتعلیق علی هذه الأفعال؛ لأنهما مترادفان ويمكن أن يستبدلا مكان بعضهما.
ومن صور التناسق والتشاکل في المعاني والدلالات، نری في هذه الحلقة التواصلیة بین ألفاظ "عاثت، وألوت، وعصفت، وتعس، وجار، جردت، وعريت"، فكلّها تحمل دلالات سلبية ومتناسقة مع بعضها وتدور في حقل الزوال والشؤم والحالة السلبیة للواقع المعیشي. عند إمعان النظر في هذه القصيدة، يمكن العثور على مجموعة من الألفاظ الدالة على التشاؤم حتى تنتهي فدوى قصيدتها بالحيرة والقلق واليأس:
حيرةٌ حائرةٌ كم خالطت ظنّي وهجسي |
عكست ألوانها السود على فكري وحسّي |
كم تطلعت؛ وكم ساءلت: من أين ابتدائي؟ |
ولكم ناديت بالغيب: الى أين انتهائي؟ |
قلقٌ شوَش في نفسي طمأنينة نفسي! |
(1993م، ص13).
ألفاظ هذا المقطع الشعري بینها نوع من التشاکل الدلالي، وکل الألفاظ یجري في المجری الدلالي الواحد وتشکل مجموعتها الحقل الدلالي الواحد، فیصبح بها النص صورة منسجمة ومتکاملة عن معاني الزوال والفناء والرؤیة التشاؤمیة لفدوی طوقان، وهي "حیرة، وحائرة، وهجسي، والسود، وغیب، وقلق، وشوّش". يبلغ حشد الألفاظ الدالة على التشائم ذروته في هذا المقطع سواء كان في عدد الألفاظ أم الصورة الحزينة المتكونة منها. تعبر الشاعرة في هذه الأبيات الشعریة عن حيرتها ودهشتها ولا يمكن لها أن تتخلص منها، حيث تملّكت ظنونها وهواجسها، فلا تستطيع الشاعرة أن تفكر بشيء إيجابي أبدا، فترى كل شيء بمنظار الحيرة والغموض، وكأنها تخاف من كل شيء حولها.
وهذه الحيرة عند الشاعرة تجاوزت مرحلة الهواجس والظنون وبلغت مستوى الفكر والحس، أي أنّ فكرها تتلون باللون الأسود، وکذلك شعورها فلا ترى ولا تسمع ولا تلمس ولا تفكر إلا بالسواد والقتامة والمأساة، وهنا بلغت القتامة ذروتها. والمعروف أن الأمر عندما يبلغ ذروته لا بد أن ينزل بعض الشيء.
وها هنا، تقول الشاعرة "تطلعتُ"، وكأنها تبحث عن بصيص أمل، وهذا محاولة للخروج والطلوع واحتضان الحیاة ببهجتها وجمالها؛ لکنها سرعان ما تعود إلی حالتها الانطوائیة عندما تطرح علی نفسه التساؤلات الباعثة علی التشاءم والاشمئزاز: "من أين ابتدائي، إلى أين انتهائي؟" والشاعرة مسکونة بهاجس الخوف والریبة وتمتع بنفسیة ملؤهما الشك والريب من المستقبل القاتم الذي لا تعرف مجاهله ولا ترى فيه أي فسحة للأمل والتجاوز والبلوغ إلی الحیاة والسرور والانفتاح.
في المستوی الترکیبي، یهتم المشتغل بحقل النقد الأسلوبي بتألیف وترکیب الجمل، أي دراسة تنضید الجمل وترکیبها وکیفیة حضورها داخل النص الشعري (حاجىزاده وتنها، 1398ﻫ.ش، ص 156)؛ باعتبارها المکمن الدلالي والمرتبط بالمعاني، هذا الاهتمام والعکوف ینطلق عن الوعي بوظیفة الجمل داخل النص. وفق ما جاء في الدراسات الأسلوبیة وخاصة في المستوی الترکیبي، إن بناء الجملة مرتبط بالمعنی ونوعیة الجمل؛ والبناء في مستوی الجمل في النصوص المختلفة لها خاصیة البوح الدلالي.
ومن هذا المنطلق، تقوم الدراسة الأسلوبیة بدراسة الجمل وبنائها في المستوی النحوي. وسر الاهتمام البالغ بالجمل وتوظیفها وهیکلیة النص من ناحیة البنیة مهبط الاهتمام في الدرس الأسلوبي الجدید. نتناول في هذا المجال من البحث جانبين هامين في المستوى المعجمي بسبب بروزهما في قصيدة خريف ومساء، وهما بناء الجملة وأسلوب الاستفهام المستخدم فيها والدلالات الناتجة منهما.
4ـ4ـ1. بناء الجملة (دراسة نوعیة الجمل)
تحرص الشاعرة في کل قصائدها على الجمل وتوظیفها داخل القصیدة وتعیرها اهتماما فعليةً كانت أم اسمية؛ لتوظف كل بناء مع ما ينسجم معه المضمون. تستخدم الشاعرة في المقطع الأول من القصيدة البنائين معاً:
ها هي الروضة قد عاثت بها أيدي الخريف |
عصفت بالسَجف الخضر وألوت بالرفيف |
تعس الإعصار، كم جار على إشراقها |
جرَدتها كفه الرعناء من أوراقها |
عريت، لا زهر، لا أفياء، لا همس حفيف |
(1993م، ص10).
تستخدم الشاعرة في البداية الجمل الفعلية "عاثت، وألوت، وعصفت"، وهي تدل على الحدوث، وهذا يعني أن هذه الأمور لم يسبق لها عهد ثم استحدثت. وللإشارة إلی الفارق الزمني بین الماضي والحال وكذلك حدوث هذه الحالة السلبیة، فعندما تقول الشاعرة: "عاثت أيدي الخريف بالروضة"، تعني أنها في السابق كانت عامرة وغناء وعندما عصفت بها جعلت سجافها الأخضر أصفر متساقطاً على الأرض وكانت ترف فيها النغمات، فالحين ألوت بها يد الخريف الجافية والنتيجة التي حصلت أنها في النهاية، فخليت الروضة من جميع جمالياتها.
ولبيان هذا الأمر، تستخدم الجمل الاسمية "لا زهر، ولا أفياء، ولا همس حفيف"، وجميعها تدل على الثبوت، فذلك الحدث العابر أدى إلى إيجاد صورة قبيحة تستدعى الحزن والاستياء والتشاؤم. فتريد الشاعرة أن تقول أن الأحداث التي تحققت في الخريف، هي أمور حادثة ومقيدة بزمن محدد؛ لكن الآثار التي نجمت عنها دائمة وثابته، وهذا المعنى بدوره أحد علامات يأس الشاعرة من عودة الخضار والنضارة إلى الحديقة في رؤيتها المتشائمة. تقول الشاعرة: إن نهاية هذا الأمر هو زوال الروضة وفنائها ويوحي ببدء فصل الشتاء القارس وتنشد:
ها هي الريح مضت تحسر عن وجه الشتاءِ |
وعروق النور آلت لضمورٍ وانطفاء! |
الفضاء الخالد اربدَّ وغشَاه السحابُ |
وبنفسي، مثله، يجثم غيم وضباب |
وظلالٌ عكستها فيَّ أشباح المساء! |
(1993م، ص10).
في هذا المقطع، تستخدم الشاعرة جملا فعلية تشير كلها إلى معاني اليأس والزوال؛ جمل "آلت لضمور وانطفاء" و"الفضاء الخالد اربدّ وغشّاه السحاب" تعبر عن مسار الفناء والزوال التدريجي في مرور الزمان؛ وهذه المعاني تتناسق مع الجملة الفعلية؛ لأنها توحي بالمعنى المقصود تحت إطار الزمن.
عندما تتحدث فدوى طوقان عن نفسيتها تستخدم فعل "يجثم" المضارع؛ بما أن الفعل المضارع يدل على التكرار والتجدد، فإن هذا يعني أن حالة جثوم الغيم والضباب على النفس ترافقها بصورة مستمرة وأصبحت سجية متلازمة في نفسيتها.
4ـ4ـ2. الجمل الخبریة والإنشائیة
الجمل في هذه القصیدة تتأرجح ما بین الفعلیة والاسمیة. نشاهد الهیمنة الکاملة للجمل الإنشائیة في هذه القصیدة إلی جانب توظیف الشاعرة للجمل الخبریة. ما یجلب الانتباه هو الحضور الطاغي للجمل الإنشائیة، وحضور هذه الجمل یتلاءم تماماً ونفسیة متشائمة ومرتبکة ومضطربة لفدوی طوقان، حیث تشك في کل ما حوله من الأشیاء وصار کل شيء لا یدوم عندها ویسیر إلی الزوال والفناء.
أسلوب الاستفهام من التراكيب النحوية التي تستخدم للاستفسار وكشف الحقائق، وفي المجال الأسلوبي، يمكن أن تتضمن الجملة الاستفهامية معاني خاصة كالاستغراب والنفي والخوف وغيرها من المعاني. يستخدم الشعراء هذا الأسلوب حسب ما يلائم معناهم المقصود.
وظفت فدوى طوقان في عدة مقاطع من قصيدة خريف وشتاء أسلوب الاستفهام وطرحت عبره أسئلة فلسفية عن الموت والحياة؛ تشير هذه الأسئلة إلى تشاؤمها تجاه العالم؛ نراها تخاطب الموت في الأبيات التالية، حیث تقول:
آه يا موت! ترى ما أنت؟ قاس أم حنون |
أبشوش أنت أم جهمٌ؟ وفيٌّ أم خؤون؟! |
يا ترى من أي آفاق ستنقضّ عليه؟ |
يا ترى ما كنه كأسٍ سوف تزجيها إليه؟! |
قل، أبن، ما لونها؟ ما طعمها؟ كيف تكون؟ |
(1993م، ص11).
ترى الشاعرة الموتَ مصيرها الذي لا مفر منه، فتضفي عليه الروح وتناديه وتسأله؛ عندما تخاطب الشاعرة الموت تسأله عن حقيقة مجهولة يواجهها كل إنسان؛ وهذه الأسئلة تكون دالة علی تشاؤم الشاعرة بالحیاة، حیث تصبح فکرة الزوال والفناء هي الفکرة المسیطرة علیها. تشعر الشاعرة بالقلق وتحس أن الموت يداهمها، وهذا ما نفهمه من سؤالها القائل "يا ترى من أي آفاق ستنقضّ عليه؟"
هذه العبارة تعبر عن حيرة الشاعرة؛ لأنها وإن علمت أن الموت مسيطر عليها؛ لكنها لا تعرف من أي جهة سوف تواجهه. تستعد الشاعرة للموت في الأبيات الأولى من هذا المقطع؛ ولذلك تسأل عن كيفية حالته حين المواجهة؟ هل هو بشوش أم عبوس؟ وكذلك تسأل عن طعم كأس الموت الذي يسقيها إياه؛ تسأل ما لونه وما طعمه وكيف ستتجرعه؟ في مقطع آخر، تأتي الشاعرة بالاستفهام وتدخل في وادي فلسفة الموت:
ليتَ شِعري، ما مصيرُ الرُّوح، والجسمُ هباء؟! |
أتراها سوف تبلى ويلاشيها الفناء؟ |
أم تراها سوف تنجو من دياجير العدم ... |
حيث تمضي حرّةً خالدةً عبر السُدم ... |
وبساطُ النور مرقاها، ومأواها السماء؟! |
(1993م، ص12).
تشير هذه الأسئلة – كما هو شأن الأسئلة السابقة – إلى حيرة فدوى طوقان، فهي غريقة في دوامة من هذه الأسئلة عن مصير الروح ماذا سوف يكون؟ فالشاعرة مترددة في ظنونها هل ستضمحل الروح وتفنى كالجسم؟ أم سوف تبقى خالدة؟ لكن عندما تقول " أم تراها سوف تنجو من دياجير العدم؟" نرى بصيص أمل لدى الشاعرة؛ لكن عندما نتأمل نرى أن حالة التشاؤم مسيطرة على وجودها عندما تقول:
عجباً، ما قصةُ البَعثِ وما لغزُ الخلود؟ |
هل تعودُ الروحُ للجسم الملقّى في اللحود؟ |
ذلك الجسمُ الذي كان لها يوما حجابا! |
ذلك الجسمُ الذي في الأرض قد حال ترابا! |
أو تهوى الروحُ بعد العتقِ عودا للقيود؟! |
(1993م، ص13).
تربط الشاعرة في هذه الأبيات مصير الروح بمصير الجسم، وتوجه أسئلتها نحو الجسم، الجسم الراقد في القبر الذي أمسى تراباً. وبلغ التشاؤم في نفسیة الشاعرة درجة قصوی واتسعت دائرته وجعلها في الضیق النفسي والتبرم المقیت، حیث صارت منکرة لکل شيء وحتی تشك في البعث والخلود والاستغراب من كيفية عودة الروح المطلقة من قيود الجسم إليه ثانياً؛ كأن الشاعرة تعبر عن رؤية خاصة بها وتقول: وإن انعتقت الروح بالموت من قيود الجسد، فإنها عند النشور سوف تعود للأسر من جديد. إن يأس الشاعرة وتشاؤمها نراهما في البيت التالي أكثر من أي مقطع آخر، حيث تقول:
غيرَ أني حينما يخبو غداً نورُ حياتي |
كيف بعثي من ذبولي وانطفائي الأبدي ؟! |
(1993م، ص 11).
وهناك صورة فنية معبرة عن حالة يائسة، وهنا يبلغ مستوى التشكيك والتشاؤم ذروته؛ إذ هي تتساءل كيف يمكن لها البعث والنشور بعد فنائها واندثارها "الأبدي"، فعندما يكون فناؤها أبدياً يصبح الأمر أشبه باللغز، فالشاعرة تعتقد أن الموت فناء سرمدي لا يمكن أن يكون من ورائه بعث وحياة ثانية خاصة وأنها تعبر عن الموت بالذبول والانطفاء.
هذا التساؤل لا يشير إلى الشك والريب لدى الشاعرة فحسب، بل يشير إلى يأسها من مستقبلها المجهول. تصف الشاعرة ذبولها وانطفائها بالأبدية وكأنها عاشت هذا الذبول طيلة حياتها؛ لكنها عندما تموت تندثر وتنتهي فيصبح ذبولها أبدياً.
ومما توصلت إليه المقالة ما يلي:
ـ الأسلوب في الدرس النقدي الجدید متأثر ومنطلق من نفسیة الشاعر أو الأدیب، وفي الحقیقة الحالة النفسیة تشق طریق الشاعر لاتخاذ الأسلوب الخاص به.
ـ اشتهرت فدوی طوقان من الشاعرات البارزات في الشعر العربي المعاصر، ونفسیتها المتشاؤمة لها دور بارز في أسلوبها الخاص في التعبیر وفي لغتها الشعریة.
ـ الوحدة العضویة مشهودة في هذه القصیدة بین المقاطع الشعریة، والجو الشعري یتلاءم وحالات التشاؤم والأسی والتأوه علی ممضات الحیاة والخیبات التي تعاني منها الشاعرة في المستوی الفردي والسیاسي والاجتماعي.
ـ تشير الدراسة الصوتية لقصيدة الخريف والمساء أن الشاعرة استخدمت الطاقات الإيقاعية الموجودة في اللغة العربية للتعبير عن مشاعرها المتشائمة؛ وهذا الأمر يبرز جليا في تكرار بعض الأصوات والألفاظ والتراكيب، وکذلك في استخدام الموسيقى الداخلية والدلالية الملائمة لحالاتها النفسية.
ـ استخدمت طوقان الموسیقي بأنماطها المختلفة؛ في مستوی الموسیقی الخارجیة، وظفت الشاعرة الرمل من بین البحور الشعریة؛ فاستخدام هذا البحر وهو یرتبط بأغراض الرثاء، یتلاءم ونفسیتها المتشاؤمة والمضطربة.
ـ في المستوى البياني أن شعر فدوى طوقان مجال واسع للانزياح الأدبي؛ وفي هذه الساحة، اهتمت الشاعرة برسم الصور واستخدام الاستعارات المتعددة الدالة على التشاؤم.
ـ إن الصور التي نراها في شعر فدوى ناتجة عن نفسية متألمة ويائسة ترى جميع جماليات الحياة تنحو منحى الزوال، فلا نرى في هذه القصيدة صورة تدل على الأمل والسرور.
ـ في المستوى المعجمي، استخدمت فدوى طوقان الألفاظ المألوفة؛ وفيما يخص اتساق ألفاظها مع مفهوم التشاؤم، نرى أغلب الألفاظ والكلمات المستخدمة في هذه القصيدة تدور في الحقول الدلالية التي تتضمن الزوال والشؤم والزوال والاضطراب والتشويش، ولاسيما الموت.
ـ في المستوى النحوي وبناء الجملة، استخدمت الشاعرة الجمل الفعلية للتعبير عن الأمور الحادثة التي تبعث فيها اليأس ووظفت الجمل الاسمية لثبوت الحالات النفسية السلبية الناتجة عن الأمور الحادثة. والتأرجح في مستوی الجمل یتناسب والاضطراب والتأرجح الداخلي والاضطرابات التي تعتري الذات الشاعرة التي لا یقر لها القرار.
ـ إن الشاعرة استخدمت أسلوب الاستفهام أكثر من أي أسلوب آخر في الجمل وأثبتت تساؤلاتها عن حقيقة الموت وتشاؤمها بكل وضوح وشفافية؛ فمن هذه المسلمات، ينبثق عدم الثقة والاعتراف بالمصیر المحتوم المؤلم.