وظائف اللغة وتوظيف الرسالة في خطابات سورة هود () من منظور رومان جاكبسون

نوع المستند : المقالة البحثیة

المؤلف

أستاذ مساعد في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة زابل، زابل، إيران

المستخلص

يطلق التواصل على عملية تبادل رسالة بين المرسِل والمرسَل إليه، بحيث يحاول فيها المرسَل إليه أن يؤوّل الخطاب من خلال تأويل الكلام مع مراعاة السياق ومقتضى الكلام. فإنّ قوام نظرية التواصل اللغوي التي طرحها رومان جاكبسون شفراتٌ لسانية تشرك المرسَل إليه في الحدث الكلامي، ووظائفُ اجتماعية للغة، بحيث تعتبر أساساً للتواصل اللغوي. يرى جاكبسون أنّ اللغة في أي عملية تواصلية تقوم على وظائف أساسية، وهي: التعبيرية، والإفهامية، والانتباهية، والمرجعية، وماوراء اللغة، والشعرية. وبناءً على المخطّط الجاكبسوني، تسعى هذه الدراسة وفقاً للمنهج الوصفي ـ التحليلي، الوقوفَ على ظاهرة التواصل اللغوي في خطابات سورة هود (j)، وهي من السور التي لها مدلولاتها وإشاراتها التداولية التي تفسّر عبر عملية التواصل اللغوي. أظهرت النتائج أن وظيفتي المرجعية (%36) والتعبيرية (%25) من أبرز الوظائف التداولية في خطابات سورة هود ((j))، فإنّ الاختلاف الإحصائي بين هاتين الوظيفتي يدلّ على أنّ الخطاب في هذه السورة يقوم في أصله على الإخبار والتبليغ ونقل الوقائع وتصويرها (الوظيفة المرجعية)، ومن ثمّ يشير إلى حالة المرسِل الفكرية (الأنبياء خاصة)، ويكشف عن مشاعره وانفعالاته إزاء الرسالة الإلهية من خلال استخدام الأفعال والحالات الانفعالية (الوظيفة التعبيرية). وفي الأخير، الدراسة تبيّن مدى استفادة خطابات سورة هود (j) من وظائف التواصل اللغوي لجاكبسون، ومدى التطابق بين أركان النظرية التواصلية وبنية التعبير اللغوي في نص سورة هود (j).

الكلمات الرئيسية

الموضوعات الرئيسية


عنوان المقالة [English]

Linguistic Roles and Message Functions in the Discourse of Surah Hud based on Roman Jakobsen's Theory

المؤلف [English]

  • Abdolabaset Arab Yousofabadi
Assistant Professor of Arabic Language and Literature, Department of Arabic Language and Literature, Faculty of Humanities, University of Zabol, Zabol, Iran
المستخلص [English]

Language as a means of transferring thought has been the subject of research by various thinkers up to the present. In recent decades, however, language has become an important topic for research and study. Linguistic studies can be followed in two ways. The first is areas of linguistic studies that examine a particular language, such as syntactic science. Another aspect is sciences that study language as a general category. These sciences methodologically are two types as well: 1) sciences that consider language as a scientific subject and study it in an empirical manner, such as linguistics, and 2) those that regard language as a philosophical issue and consider it rationally. The philosophy of language is responsible for expressing the general aspects of language. These aspects do not relate to a particular language but are true for any language. The language of the Holy Qur’an is an innate language. The Holy Qur’an does not only have innate content, but the language used in the Holy Qur’an is an innate language as well. It is a pragmatic language, a language in which a person evaluates the validity of anything in its practical and concrete result in practice. The text-based communication in the Holy Qur’an will be understood by relying on such a language, namely the pragmatic language. It was therefore concluded that the Qur’anic language is a pragmatic language in the sense of an existential language. A language that is compatible with the nature of human existence. The observance of morphological and syntactic rules makes the language used in a text and dialogue meaningful, but understanding the existential and anthropological rules makes the text and dialogue understandable. Hence, the language of the Holy Qur’an is a pragmatic language, an existential one.
Communication refers to a process during which a message is sent between the speaker and the audience so that the audience tries to analyze and interpret that discourse by considering the context and the conditions of speech. The language communication theory, expressed by Roman Jakobsen, is based on linguistic codes that the audience participates in deciphering those codes during a verbal conversation. In addition, this theory is based on the social roles of language. Jakobson distinguishes six communication functions, each associated with a dimension or factor of the communication process: 1) referential (contextual information), 2) aesthetic/poetic (auto-reflection), 3) emotive (self-expression), 4) conative (vocative or imperative addressing of receiver), 5) phatic (checking channel working), and 6) metalingual (checking code working). In the present study, using the descriptive-analytical method and referring to Jakobsen's theory, the linguistic connection in the discourse of Surah Hud (PBUH) is investigated. This surah is one of the surahs that have pragmatic codes and can only be interpreted and analyzed through the process of communication.
The results of the research show that the referential (36%) and emotional (25%) roles are the most frequent linguistic roles in the discourse of Surah Hud (PBUH). The difference in the frequency of these two linguistic roles indicates that the discourse of this surah is mostly based on informing, promoting, and expressing events (referential role). It expresses the inner states of the speaker (mostly prophets). So, by using verbs that indicate the speaker’s intrinsic and inner feelings and affairs, his feelings in connection with the divine message are revealed (emotional role). The final result of the research shows that in the discourse of Surah Hud, the linguistic communication roles of Jakobsen's theory have been used to a very good extent, and this theory is a suitable model for analyzing the linguistic structure of this Surah. In Surah Hud, in order to create a communication process (God, prophets, angels, and others), the speaker must send a specific message to the audience (Prophet, ordinary people, relatives of prophets, and others) to influence the audience through the linguistic structures of that message. In such a conversation, the message must have a specific context to strengthen the communication links between the speaker and the audience and after that, this communication continues with special language tools (speaking and writing).

الكلمات الرئيسية [English]

  • Linguistic Communication
  • Roman Jakobsen
  • Referential Role
  • Emotional Role
  • Surah Hud (PBUH)
  1. المقدمة

إن التداولية باعتبارها فرعاً من فروع علم اللغة، تتحدّث عن العلاقة بين المرسِل والمرسَل إليه، وتدرس اللغة في الاستعمال والتواصل. تعدّ نظرية التواصل اللغوي شكلاً مهماً من أشكال النظريات اللسانية الحديثة، ورومان جاكبسون[1] يعدّ المنظّر الحقيقي لها؛ إذ يقوم نموذجه على أن جمل اللغة تشتمل في أغلبها على وظائف تداولية وعناصر تتحدّد دلالتها داخل السياق الذي وردت فيه وفقاً للتواصل مع الآخرين.

والذي يهمّنا أنّ نظرية جاكبسون ليست نظرية جديدة وحديثة، فنجد إرهاصاتها الأولى عند اللغويين قبله، إلا أن «جاكبسون اهتمّ بالتواصل اللغوي والتواصل غير اللغوي، كما أعطى أهمّية للسياق؛ باعتبار أن معاني الكلمات لا تتجلّى إلا من خلال فعل التواصل بمجمله؛ مما جعلت نظريته تمتاز عما قدّمه اللغويون قبله» (زيان، 2016م، ص 98).

بيّن جاكبسون أنّ اللغة تقوم على وظائف أساسية في العملية التواصلية، حدّدها في ستّة عناصر: 1.المرسِل ووظيفته تعبيرية؛ 2.المرسَل إليه ووظيفته إفهامية؛ 3.المرسَلة ووظيفتها شعرية؛ 4.القناة ووظيفتها انتباهية؛ 5.السياق ووظيفته مرجعية؛ 6.السنَن ووظيفتها ماوراء اللغة (بركة، 1993م، ص 66 ـ 67).

لقد لقي نموذج جاكبسون شهرة كبيرة في الكثير من الدراسات اللسانية، وصار مرجعاً لا يستهان به. كما يعود إليه الفضل الكبير في إخراج اللسانيات من الإطار الضيّق لدراسة أنساق اللسان إلى إدخال النشاط اللغوي التواصلي بكل عناصره ووظائفه في الدراسة اللسانية (شارودو ومنغنو، 2008م، ص 58)، كما تتمثّل أهميته في أنّ الكثير من الباحثين عادوا بعد زمن طويل إلى اعتماد نموذجه والكثير من وظائفه بتسميات متنوعة، ووظّفوها في تحليل نصوص وخطابات متنوّعة الأنماط ومختلفة المجالات، حيث استفادوا منها في استخراج الوظائف التي يؤدّيها كل مكوّن أثناء ممارسة الخطاب.

يُعدّ الإعجاز اللغوي للقرآن الكريم من أهم أنواع الاعجاز؛ بحيث يتعلّق باستخدام كلمات القرآن وعباراته وتراكيبه واضحةً وموجزةً، حيث تظهر الفصاحة والبلاغة بصورة يفهمها القارئ ويتأثّر بها. تعكس الدراسات اللغوية للقرآن هذا الإعجاز وتبيّن العمليةَ التفاعلية للآيات الكريمة وتنقل المفاهيم القرآنية من خلال تحليل التواصل الكلامي للغة القرآن.

تعدّ سورة هود (j) سورة عظيمة كغيرها من سور القرآن، ونلاحظ فيها ضخامةً في الإيقاع، وقوةً في العرض، وشدةً في الوعيد والإنذار، وتهويل في الصورة والحركة (قطب، 2018م، ج 3، ص 1746). تعني هذه السورة بأصول العقيدة الإسلامية، وتتحدّث عن دعوة الأنبياء إلى اللّٰه والصبر على البلاء والمقارنة بين المؤمنين والكافرين، وختمت ببيان الحكمة من ذكر قصص المرسلين.

وأمّا خطابات هذه السورة، فهي خطاب تواصلي هدفه الأسمى الإخبار والتبليغ ونقل الوقائع وبيان مشاعر المرسِل والمرسَل إليه وانفعالاتهما إزاء الرسالة الإلهية. فمن هذا المنظور، تتطلب عملية الاتصال في خطابات هذه السورة عناصر أساسية تناسب مخطّط جاكبسون الاتصالي، بحيث يتولّى المرسِل إرسال رسالة إلهية إلى المرسَل إليه في إطار سياق معين، وفي خضم وضع مشترك بينهما. تتطلّب الرسالة الإلهية قناة تحقق الربط بين طرفي الاتصال. فإذا كان الهدف من خطابات هذه السورة الاتصال المباشر بين المرسِل والمرسَل إليه، فبإمكاننا أن ندرسها دراسة لغوية وفقاً لمخطّط جاكبسون الاتصالي.

 

1ـ1. هدف البحث ومنهجه

تهدف هذه الدراسة إلى الكشف عن مدى الوظائف التداولية في سورة هود، وكذلك الكشف عن العناصر التداولية التي تربط طرفي الخطاب؛ وذلك من أجل الوصول لعمق الإعجاز البلاغي واللساني للقرآن الكريم، وتحليل أبعادها. اعتمدت الدراسة على بعض الوظائف التداولية انسجاماً مع طبيعة الموضوع، والتي تساعد الباحث أكثر من أجل الوصول إلى ما تخفيه تلك العيّنة من دلالات، غير التي تظهر في الشكل، فاستعنّا بآلية الحقول المعجمية والحقول الدلالية، والتحليل المعجمي من أجل الكشف عن الدلالات المتعددة التي تضمنتها سورة هود بالدراسة على مبادئ تداولية لجاكبسون.

1ـ2. أسئلة البحث

تحاول هذه الدراسة أن تجيب عن الأسئلة التالية:

ـ كيف تحلّل خطابات سورة هود وفقاً لمبادئ التداولية لجاكبسون؟

ـ أيّ وظيفة من الوظائف التداولية تتميّز في خطابات سورة هود؟

1ـ3. خلفية البحث

من خلال قراءتنا للمصادر التي استعنّا بها في إنجاز هذه الدراسة، والتي تناقش اللغة والتواصل، يمكن الإشارة إلى ما يلي:

ميشال زكريا (1984م)، في كتاب مباحث في النظرية الألسنية وتعليم اللغة، بحيث يتناول فيه مواضيع ألسنية متنوّعة تندرج في مجملها ضمن النظرية الألسنية التوليدية والتحويلية.

رومان جاكبسون (1988م)، في كتاب التواصل اللغوي ووظائف اللغة في الألسنية، حيث قام بطرح نظرياته اللغوية بالنسبة للتواصل مع مقاربات نصية.

وفاطمة الطبال بركة (1993م)، في كتاب النظرية الألسنية عند رومان جاكبسون، لا تكتفي بتحليل آراء جاكبسون ومواقفه العلمية وأثرها في مجال الألسنية، بل تتبع في تحليلها بتقديم ترجمة دقيقة لستة أبحاث لجاكبسون وتضعها في متناول القارئ ليتّصل مباشرةً بفكر جاكبسون وخلاصة تحاليله لبنى اللغة ومسائلها بشكل عام.

وعبد السلام المسدّي (2010م)، في كتاب مباحث تأسيسية في اللسانيات، يرى أن اللسانيات تأصيل المناهج وتنظير طرق إخصابها فحسبُ؛ لكن أيضاً من حيث إنّها تعكف على دراسة اللسان فتتخذ اللغة مادةً لها وموضوعاً.

ومحمود كاظم موات (2017م)، في مقالة نظرية التواصل في رسائل الجاحظ في ضوء نظرية التواصل لجاكبسون، قام بتطبيق الوظائف التواصلية على رسائل الجاحظ باعتبارها من النصوص القديمة التي تتميّز بطابع لغوي خاص.

ومحمد حصباية (2017م)، في رسالة أفعال الكلام في الخطاب القرآني مقاربة تداولية: سورة هود أنموذجا، يطمح إلى دراسة الخطاب القرآني ويسعى إلى الكشف عن معانيه ومقاصده في سورة هود من منظور تداولي من خلال رصد أفعال الكلام، والكشف عنها ومقاربتها تداولياً.

وهشام صويلح (2020م) في مقالة وظائف عناصر العملية التواصلية في الخطاب الصحفي: تطبيق على خطاطة رومان جاكبسون، حصل على كثرة استخدام الوظيفة الانفعالية أو التعبيرية في مقالات صحافة الرأي، فبفضلها يعبّر الصفحي عن مواقفه ومشاعره تجاه القضية المتحدّث عنها.

 

وقد أجريت عدّة دراسات مرتبطة بسورة هود؛ فمن أهمّها ما يلي:

ماجد بن محمد (2004م)، في رسالة الفنون البلاغية في سورة هود، يبحث عن العلم المعاني، والبيان، والبديع في هذه السورة.

ومجدي عايش أبولحية (2009م)، في رسالة النظم القرآني في سورة هود: دراسة أسلوبية، قام بدراسة الأساليب الإنشائية والظواهر البلاغية والتصوير الفنّي المعتمد على الخيال في سورة هود.

وعبد الناصر حسن (2019م)، في رسالة سورة هود: دراسة تداولية في تفسير الطاهر بن عاشور، يعتقد أنّ هذه السورة اشتملت على وسائل عدّة من صور الإقناع والتأثير، فجاءت قصص الأنبياء مع أقوامهم كوسيلة للتمثيل بقصد الإقناع في المتلقي.

ومحمد الصالح بوضياف (2020م)، في مقالة أسلوب التقديم والتأخير في القرآن الكريم: دراسة بلاغية في سورتي هود وطه، يدرس توارد الألفاظ، ومراتب الاهتمام ومواطن التشويق في هاتين السورتينِ.

وعلى ضوء ما تقدّم، لم يتوصّل الباحث لحدّ الآن إلى دراسة تتناول عملية الاتصال في سورة هود، وفقاً لنظرية جاكبسون؛ وعلى هذا تُعتبر هذه الدراسة أول بحث لساني تداولي عن هذه السورة.

 

  1. الوظائف التداولية لسورة هود من المنظور الجاكبسوني

يعتقد جاكبسون أنّ الاتصال عملية تفاعلية تنقل الأفكار والمشاعر من جانب إلى آخر، وذلك من خلال جهاز خاص تتفاعل فيه مجموعة من العناصر مع بعضها البعض لضمان نجاح العملية وتحقيق هذا الارتباط (الشهري، 2004م، ص 39). وهذه العناصر ستة، وهي ما يلي:

  1. المرسِل (المتكلم؛ مصدر الخطاب): الطرف الأول في عملية التواصل، والمسؤول عن إرسال الرسالة واختيار المرجع وقناة الاتصال والشفرة؛

2.المرسَل إليه (المتلقّي؛ المستلم؛ المنقول إليه): الطرف الآخر في عملية التواصل، والمستقبِل لمضمون الرسالة، والمسؤول عن عملية إنجاح التواصل أو إفشاله؛

3.الرسالة (الإرسالية؛ البلاغ؛ المرسَلة): مضمون وموضوع الخطاب في عملية التواصل اللغوي، بحيث تتجسّد وتتّضح فيها أفكار المرسل؛

4.السياق (المرجع؛ المقام): مجموعة من العوامل الحركية الدينامية، والتي تؤدّي إلى التفاعل فيما بينها وذلك من خلال الزمان والمكان، والظروف والملابسات، وأحوال المتكلمين والمستمعين؛

5.القناة (الوسيلة؛ الوسيط): من خلالها تنقل الرسالة من المرسِل إلى المرسَل إليه؛

6.السنَن (الشفرة؛ النظام؛ القانون؛ النسق): القانون المنظّم للقيم الإخبارية المشتركة بين المرسِل والمرسَل إليه (فرانك، 2003م، ص 38).

تعدّ هذه العناصر أساس العملية التواصلية، وكل منها يعكس وظيفة خاصة، فيصبح عدد الوظائف ستاً بعدد العناصر، والتي يمكن إظهارها في تصميم متابعة (أوكان، 2001م: ص 49):

 

يمكن استجلاء العناصر الستة ووظائفها لمخطوط جاكبسون في خطابات سورة هود، مما يلي:

2ـ1. الوظيفة المرجعية

تتمحور هذه الوظيفة حول السياق، فهي «تحدّد العلاقات بين الرسالة والموضوع الذي ترجع إليه» (بركة، 1993م، ص 67). تسمّى هذه الوظيفة بالتعيينية أو التعريفية؛ لأنها تعيّن الموضوعات كي تأخذ دلالات معينة، وتعرّف العلاقة بين الدال والمدلول؛ وتسمّى أيضاً بالتمثيلية بالنظر إلى أنّ عناصر اللغة المستخدمة هى تمثّل كل شيء نريد نقله إلى المرسَل إليه (جاكبسون، 1988م، ص 28). وردت لهذه الوظيفة مصطلحات أخرى من بينها الإيحائية، والإخبارية؛ لأنّ الرسالة تتلوّن بهذه الوظيفة عندما يكون محتواها مؤيّداً للأخبار الواردة فيها باعتبار أنّ اللغة فيها توحي إلى أشياء وموجودات نتحدّث عنها (المسدّي، 2010م، ص 159).

تتّضح في هذه الوظيفة، العلاقة بين الدال والمدلول من كل الأوصاف الواضحة والكلمات المخادعة، فيحتمل مضمونها الصدق والكذب؛ فعلى سبيل المثال، تحمل جملة «ستنزل الأمطار اليوم بغزارة» إلى المرسَل إليه معلومة واضحة، فقد ينزل المطر فعلاً، كما قد لا ينزل أصلاً. فإن وافق الخطابُ الواقعَ كان صادقاً، ويوصَف بالصدق، وإن خالفه كان كاذباً ويوصف بالكذب. تتّضح في الأمثلة التالية العلاقةُ بين الدال والمدلول بشكل جليّ في كونها تومئ إلى الوظيفة المرجعية عندما يتّجه الخطاب إلى السياق، ويركز عليه:

 

الجدول 1. أمثلة للوظيفة المرجعية في خطابات سورة هود

الخطاب

المرسِل

المرسَل إليه

سياق الخطاب

كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1)

النبي (m)

عموم الناس

الإخبار عن ترفّع القرآن الكريم بحيث جُعلت آياته كاملة في نوع الكلام وسلُمت من أخلال المعنى واللفظ

إِلَى اللّٰه مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (4)

النبي (m)

عموم الناس

بيان التعليل للخوف على عموم الناس بأنّهم صائرون إلى اللّٰه فهو مجازيهم على تولّيهم عن أمره

وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللّٰه رِزْقُهَا (6)

النبي (m)

عموم الناس

الاعتبار بسعة قدرة اللّٰه وعلمه في تعميم رزق كل المخلوقات

إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ (12)

اللّٰه

النبي (m)

تحذير النبي(ص) من تركه بعضَ ما يوحَى إليه وضيق صدره من مقالة المكذّبين

أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ (16)

اللّٰه

النبي (m)

تنبيه للكفار على أنّ حظّهم من النعمة هو ما يحصل لهم في الدنيا، وأن عذاب اللّٰه سيلحقهم في الآخرة

وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللّٰه مِنْ أَوْلِيَاءَ (20)

اللّٰه

النبي(m)

الإخبار عن عدم وجود ناصر ينصر المكذّبين يوم القيامة

أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (23)

اللّٰه

النبي (m)

تعيين نتيجة أعمال المؤمنين حقّاً بأنّهم خالدون في الجنة خلوداً أبديّاً

مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا (27)

قوم نوح

نوح (j)

بيان قول أصحاب الجاه والغنى من قوم نوح أنّهم نفوا كلّ مزية تجعل نوحاً مختصّاً بالنبوة دونهم

إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللّٰه إِنْ شَاءَ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (33)

نوح (j)

قوم نوح

الإخبار عن تحقّق عذاب المكذّبين معجَّلاً وأنه واقع لا محالةَ

هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (34)

نوح (j)

قوم نوح

ترهيب المكذّبين بأنّهم يرجعون يوم القيامة إلى اللّٰه ليجازيهم الجزاء الذى يستحقّونه.

إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ (46)

اللّٰه

نوح (j)

ردٌّ من اللّٰه على نوح فيما طلبه منه أن يغفر ابنه، فنفى أن يكون ابنه من أهل دينه واعتقاده

تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ (49)

اللّٰه

النبي (m)

استئنافٌ أريد منه الامتنان على النبي (m)

مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ (50)

هود (j)

قوم هود

بيان إبطال شركهم بأنهم أشركوا غير اللّٰه في عبادته

إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56)

هود (j)

قوم هود

تقرير يدلّ على عدالة اللّٰه وتنزّهه عن الظلم

تِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ (59)

اللّٰه

عموم الناس

توصيف ضخامة جرائم قوم عاد وإبراز شناعتهم

وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ (60)

اللّٰه

عموم الناس

الإخبار عن هلاكهم مشيعين ومتبوعين باللعن والطرد من رحمة اللّٰه فى الدنيا والآخرة

هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا (61)

صالح (j)

قوم صالح

التعليل للأمر بعبادة اللّٰه ونفي إلهية غيره

هَذِهِ نَاقَةُ اللّٰه لَكُمْ آيَةً (64)

صالح (j)

قوم صالح

إخبار صالح عن كون الناقة حجة وعلامة لهم تدلُّ على صدقه فيما يدعوهم إليه

ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ (65)

صالح (j)

قوم صالح

تهديد للمكذّبين بأنّ وعد اللّٰه يتحقّق دون شك

وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (67)

اللّٰه

عموم الناس

بيان حال الظالمين من قوم صالح بأنهم أهلكوا بالصيحة، وفيه تعريض بمشركي أهل مكّة بالتّحذير من أن يصيبهم مثل ما أصاب أولئك لأنّهم ظالمون أيضاً

مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ (109)

اللّٰه

النبي (m)

تعليل لانتفاء الشك في عاقبة أمر مشركي قريش، فإنّ جزاءهم سيكون مماثلاً لجزاء أسلافهم

ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114)

اللّٰه

النبي (m)

تقرير بأنّ العمل بالواجبات يكون تذكرة للذي شأنه أن يُذكر

وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (120)

اللّٰه

النبي (m)

اعتبار بقصص الرسل لما فيه من الحق الذي مَن عمل عليه نجا، ومن الوعظ الذي يلين القلب، ومن تذكر الخير والشر

وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ (123)

اللّٰه

النبي (m)

تسلية للنبي (m) وتهديد للكفار بالانتقام منهم بما يُوعَدون به من العذاب في الآخرة

 

كما يبدو من الآيات الشريفة المشار إليها أنها عبارة عن جملة مفيدة تفيد معنى تاماً مكتفياً بنفسه (جمل فعلية واسمية)، فهي تضمن من الكلمة إسناداً مفيداً مقصوداً لذاته، فيه يقع التفاهم بين المرسِل والمرسَل إليه، مؤكّداً على السياق. إنّ خطابات هذه الآيات نصٌّ محكم، ونظمها الخاص به من أبرز وجوه إعجازها البلاغي، فهي تنبّه على أهمية السياق فيها للكشف عن أسرارها ورموزها.

يقع السياق في هذه الآيات عندما توظّف وظيفة مرجعية، فتكون دلالة السياق بيان معاني خطابات هذه السورة من خلال تتابع المفردات والجمل والتراكيب المترابطة. فهناك ارتباط معنوي بين آحاد نصّها، سواء أكان آيةً أم مقطعاً من السورة؛ وهذا الارتباط قد لا يبدو للناظر في الوهلة الأولى، فيظنّ أن المعاني متفكّكة الأواصر لا ارتباط بين آحادها.

وفي حقيقة الأمر هي متناسقة على أشد ما يكون عليه الاتساق والارتباط؛ فقد تذكر قصةً ثمّ يتلوها ذكر مواعظ ثم أوامر ونواهٍ ثم وعد ووعيد، وهي تدور في فلك موضوع واحد مترابط متناسق، والذي يكشف هذا الأمر ويعين عليه دراسة الوظيفة المرجعية في خطابات هذه السورة.

2ـ2. الوظيفة التعبيرية

تسمّى هذه الوظيفة أيضا بالانفعالية أو العاطفية؛ فهي تشير إلى حالة المرسل الفكرية، وتكشف عن مشاعره وانفعالاته إزاء الرسالة من خلال استخدام الشخص الأول المفرد أو استخدام الأفعال الانفعالية الدالة على التعجب، والمدح، والهجو، والتأوه، والاعتراض، والغضب، والاستغاثة، والسرور وغيرها. ولا فرق بين أن تكون هذه الانفعالات صادقة أم كاذبة (جاكبسون، 1988م، ص 28).

ولا بدَّ أن تكون الوظيفة التعبيرية منسجمة مع طبيعة الرسالة المنجزة حسبَ وضع خطابي معين، وأن يكون التشكيل الصوتي المنسجَم مع إيقاع المواقف الانفعالية لهذه الإنجازات المختلفة. وحينما يحضر هذا التشكيل الإيقاعي على مستوى عنصر المرسل تهيمن الوظيفة التعبيرية على عملية التواصل، ويأخذ بذلك المرسل المكانة المركزية في النص معبرا عن أفكاره ومشاعره الخاصة (بركة، 1993م، ص 66). تدل الأمثلة التالية على الوظيفة التعبيرية في خطابات سورة هود مع ذكر غرض الخطاب، ونوعية العناصر التداولية:

 

الجدول 2. أمثلة للوظيفة التعبيرية في خطابات سورة هود

الخطاب

المرسِل

المرسَل إليه

سياق الخطاب

إِنَّنِي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (2)

النبي (m)

عموم الناس

ينذر المرسِلُ (النبي) الذين أصرّوا على شركهم وكفرهم بالعذاب الأليم، ويُبشّر الذين آمنوا واتّقوا بالسعادة والنعيم

وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (3)

النبي (m)

عموم الناس

يحذّر المرسِلُ (النبي) الناسَ عن إعراضهم عن الرسالة الإلهية

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (25)

نوح (j)

قوم نوح

يحذّر المرسِل (نوح) قومه عن الشرك والكفر، فهو يبيّن ما أُرسل به غاية البيان

لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللّٰه وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ (29)

نوح (j)

قوم نوح

يردّ المرسِل (نوح) شبهات قومه عنه بأنه يسعى في طلب الدنيا وبأنه يطرد المؤمنين، ثمّ يثبت أنهم يجهلون القيم الحقيقية التي يقَدّر بها الناس في ميزان اللّٰه

وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللّٰه وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللّٰه خَيْرًا اللّٰه أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (31)

نوح (j)

قوم نوح

تفصيل المرسِل (نوح) لما ردّ به مقالة قومه إجمالاً، فهم استدلّوا على نفي نبوّته بأنّهم لم يروا له فضلا عليهم، فجاء هو في جوابهم بالقول بالموجب أنّه لم يدع فضلا غير الوحي إليه، كما حكى اللّٰه عن أنبيائه

إنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ (35)

النبي (m)

كفار قريش

يردّ المرسِل (النبي) معتقدات المنكرين ويدعوهم إلى أن يتذكروا إنكارهم ويعيدوا ذكره

إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ (47)

نوح (j)

اللّٰه

إنابة المرسِل (نوح) وتسليمه لأمر اللّٰه واستغفاره بالسؤال الذي وقع النهي عليه والاستعاذة والاستغفار منه هو سؤال العزم الذي معه محاجة فيما قد حجب وجه الحكمة فيه

يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72)

سارة (j)

الملائكة

بيان تعجّب المرسِلة (سارة) لمّا بُشّرت بإسحاق أنها تلد تعجبا مما قيل لها من ذلك؛ إذ كانت قد بلغت السنّ التي لا يلد من كان قد بلغها من الرجال والنساء

قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ (80)

لوط(j)

قوم لوط

يتمنّى المرسِل (لوط) أن يقوّي على قومه بنفسه، أو يأوي إلى قويّ يستند إليه ويتمنّع به، فيحميه منهم

وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللّٰه عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88)

شعيب (j)

قوم شعيب

يتلطّف المرسِل (شعيب) تلطّف صاحب الدعوة الواثق من الحق الذي معه؛ ويعرض عن تلك السخرية لا يباليها، وهو يشعر بقصور قومه وجهلهم

كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَاأَلَا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ (95)

اللّٰه

قوم شعيب

دعاء المرسِل (اللّٰه) على قوم شعيب بانتفاء الرحمة عنهم كبُعد الهلاك واللعنة التي عوقبت بها ثمود من قبلهم.

وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ (102)

اللّٰه

النبي

تعريض المرسِل بتهديد مشركي العرب من أهل مكة وغيرها. وبيان حال القرى القائمة الظالمة في توقّع عذاب اللّٰه لها إنذارٌ للحاضرين من القرى الظالمين

إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119)

اللّٰه

النبي (m)

تعبير للمرسِل (اللّٰه) عن الإرادة المعبّر عنها بامتلاء جهنم بالضالّين

 

من خلال هذه الآيات ودراستها، يتضح الجانب العاطفي والانفعالي للمرسِل، والذي يميل إلى التعبير عن مشاعره واتجاهاته الشعورية، حيث يعبّر المرسِل عن موقفه تجاه الموضوع الذي يتحدّث عنه، ويحاول أن ينقل إلى المرسَل إليه فكرة شعور معين من خلال الشعور بالتعجب والإنذار، والتعريض، والدعاء، والتمنّي، والردّ، والذم، وغيرها. فقد احتوت هذه الخطابات على معانٍ وأفكار، وهي بمثابة نصائح وإرشادات يقصد المرسِل من ورائها بيان مشاعره وأحاسيسه.

ومن هنا تنشأ فيها العلاقةُ بين المرسِل والمرسَل إليه، ويبدو تأثير المرسِل على المرسَل إليه، فتزداد الرغبة لدى المرسِل في الإجادة والإتقان، فيلاحظ المرسَل إليه تلك الإجادة وهذا الإتقان، فيزداد رغبة في الإقبال عليه. وبهذا «يكون المرسِل قد تكفل وفق آلية الإنتاج بالتعبير لمضمون رسالته بغية إفهام المتلقّي الذي ينهض تبعاً لآلية التلقّي، باستيعاب المعلومات والوحدات المرسَلة إليه على شكل صيغ وأساليب لغويّة متنوعة» (العاقد، 2002م، ص 36).

2ـ3. الوظيفة الإفهامية

ويطلق عليها أيضاً الندائية أو التأثيرية أو النزوعية أو الاشتراكية، وهي وظيفة تتوجّه إلى المرسَل إليه لإثارة انتباهه، وإفهامه، وطلب قيامه بفعل ما؛ فتنحصر في الأساليب الإنشائية وخاصّة أسلوبي الأمر، والنهي. يعتقد جاكبسون أنّ هذه الوظيفة «الأكثر خلوصاً في الأمر والنهي اللذين ينحرفان من وجهة نظر تركيبية وصرفية وحتى فونولوجية في الغالب عن المقولات الاسمية والفعلية الأخرى. وتختلف جمل الأمر عن الجمل الخبرية في نقطة أساسية؛ فالجمل الخبرية يمكنها أن تخضع لاختبار الصدق والكذب، ولا يمكن لجمل الأمر أن تخضع لذلك» (جاكبسون، 1988م، ص 29).

والرسالة التي تهيمن عليها الوظيفة الإفهامية، تخضع لأمرين: أولهما ارتكازها على الأمر والنهي؛ وثانيهما أن لا تخضع لأحكام تقييمية مثل الصدق والكذب كونها ترد في صورة أسلوب انشائي. فهذه الوظيفة تندرج ضمن الأساليب الإنشائية وتمتاز بمجموعة من الخصائص: «أ. التأثير: تقوم فكرة التأثير على مبدأين هما المفاجأة (تولد غير المنتظر من المنتظر) والتشبع (التكرار)؛ ب.الإقناع: ينبني أسلوب الإقناع على استعمال وتوظيف الحجج لإثبات فكرة معينة بتوظيف المنطق والبرهان؛ ج. الإمتاع: يهدف الإمتاع إلى استرضاء وجدان وعاطفة المرسَل إليه، حيث يتحول الكلام إلى قناة تعبره المواصفات التعاطفية؛ د.الإثارة: تنشأ الإثارة عندما يتحول الخطاب إلى عامل استفزاز يحرك في المرسَل إليه نوازع ردود فعل (عبد الرحمن، 2005م، ص 82). تدل الأمثلة التالية على الوظيفة الإفهامية في خطابات سورة هود مع ذكر غرض الخطاب، ونوعية العناصر التداولية:

 

الجدول 3. أمثلة للوظيفة الإفهامية في خطابات سورة هود

الخطاب

المرسِل

المرسَل إليه

سياق الخطاب

أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللّٰه إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (2)

النبي (m)

عموم الناس

أمرٌ إلى المرسَل إليه بأن لا يَعبد إلا اللّٰه

يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46)

اللّٰه

نوح (j)

نهيُ المرسَل إليه (نوح) عن سؤال ممّا لم يؤذَن له من بعد. سُمّي دعاءه سؤالا لأنه تضمن ذكر الوعد بنجاة أهله وما رتّبه عليه من طلب نجاة ولده

قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ (48)

اللّٰه

نوح (j)

أمرُ المرسَل إليه (نوح) بالخروج من السفينة إلى أرض الجبل، بذلك السلام لما سلموا من الغرق، والبركات ما نالوا في الدنيا من الخيرات والمنافع

فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (49)

اللّٰه

النبي (m)

أمر المرسَل إليه (النبي) بالصبر على القيام بأمر اللّٰه وتبليغ رسالته وما تلقّى من مشركي قومه

وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللّٰه مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ (50)

هود (j)

قوم هود

إرشاد المرسَل إليه (قومه) بعبادة اللّٰه وطلب الخيرات لهم من حيث المؤانسة بأنّ هوداً أخٌ لهم

وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (52)

هود (j)

قوم هود

أمرُ المرسَل إليه (قوم هود) بطلب المغفرة والإنابة، ونهيُهم عن المبالغة في الإعراض

وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللّٰه لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللّٰه وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ (64)

صالح (j)

قوم صالح

لناقة صالح عند اللّٰه حرمةً كبيرةً، لكونها نموذج الآية المتحركة التي يرى الناس من خلال خصائصها الدليل على عظمة اللّٰه من جهة، وصدق الرسول من جهة أخرى، فأمر صالح قومه بعدم التعرّض لها في أي مكان أرادت أن ترعى من أرض اللّٰه

فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ (65)

صالح (j)

قوم صالح

إشارة إلى قرب مخالفة المرسَل إليه (قوم صالح) لأمر صالح فيها بقوله مسبباً عن أوامره ونواهيه.

فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ (70)

الملائكة

إبراهيم (j)

لمّا عرف إبراهيم أنّهم ملائكة خاف أنّه وقومه المقصودون بالعذاب، قالت الملائكة لا تخفْ إنّا أرسلنا إلى قوم لوط لا إلى قومك

يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ (76)

اللّٰه

إبراهيم (j)

أمرُ المرسَل إليه (ابراهيم) بترك الجدال في أمر قومه والخصومة فيه، لأنّهُ قَدْ حُقّ عليهم كلمة العذاب، ومضى فيهم بهلاكهم القضاء

قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللّٰه وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي (78)

لوط (j)

قوم لوط

تهديد المرسَل إليه وتحذيره بالعقاب والعذاب في إتيانهم الفاحشة التي يأتونها ويطلبونها

قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ (81)

الملائكة

لوط (j)

أمرُ المرسَل إليه (لوط) بالخروج من بين أظهر قومه ونهيُه ومن معه ممّن أسرى معه أن يلتفتَ سوى زوجته، وإنها التفتت فهلكت لذلك.

وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ (93)

شعيب (j)

قوم شعيب

المراد بالأمر تهديد المرسَل إليه، وتقديره كأنكم إنّما أمرتم بأن تكونوا على هذه الحال من الكفر والعصيان، وفي هذا نهاية الخزي والهوان والعذاب لكم

فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلَاءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ (109)

اللّٰه

النبي (m)

يعود السياق إلى النبي(ص) والقلة المؤمنة معه في مكة تسريةً وتثبيتاً، وإلى المكذّبين من قومه بياناً وتحذيراً. فنهى اللّٰه النبي (والمراد به أمته) أن يكونوا في شك من عبادة المكذّبين، وأنه باطل

فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112)

اللّٰه

النبي (m)

يأمر اللّٰه المرسَل إليه (النبي وأمته) بالثبات والدوام على الاستقامة، وينهاهم عن الطغيان، وهو البغي

وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ (113)

اللّٰه

عموم الناس

ينهي اللّٰه المرسَل إليه (الناس) عن الانحطاط في هوى الظالمين، والانقطاع إليهم، ومصاحبتهم ومجالستهم وزيارتهم ومداهنتهم

وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114)

اللّٰه

النبي (m)

يأمر اللّٰه المرسَل إليه (النبي وأمته) بإقامة الصلاة، وإقامتها هو الإتيان بأعمال الصلاة على وجه التمام في ركوعها وسجودها وسائر فروضها

وَقُلْ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ (121)

النبي (m)

الكفار

المراد بالأمر تهديد المرسَل إليه، وتقديره كأنكم إنّما أمرتم بأن تكونوا على هذه الحال من الكفر والعصيان، وفي هذا نهاية الخزي والهوان والعذاب لكم

وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ (123)

اللّٰه

النبي (m)

أمرُ المرسَل إليه بالعبادة والتوكّل على اللّٰه، وفيها زوال همّه وصلاحه ووصوله إلى رضوان اللّٰه

 

الغرض من استخدام الأفعال المشار إليها في هذه الآيات (خاصّة أسلوبي الأمر، والنهي) هو إثارة انتباه المرسَل إليه ونقل الأفكار من ذهن المرسِل إلى ذهن المرسَل إليه حتى يكون عارفاً بها. فينظم الخطاب فيها بطريقة معينة، نحو: لَا تَعْبُدُوا؛ ولَا تَسْأَلْنِ؛ واهْبِطْ؛ ولَا تَمَسُّوهَا؛ واسْتَغْفِرُوا؛ واصْبِرْ؛ وتَمَتَّعُوا؛ ولَا تَخَفْ؛ وأَعْرِضْ؛ واتَّقُوا؛ ولَا تُخْزُونِ؛ وأَسْرِ، حتى تؤثّر على المرسَل إليه، وتشجّعه على تحليل أفكاره واعتقاداته، وتجبره على التحرك واتخاذ مواقف معينة. ويقوم السياق (الإبلاغ؛ التهديد؛ الإرشاد؛ الائتناس وغيرها) فيها بدور رئيس في تأسيس جماليات هذه الآيات من خلال الوظيفة الإفهامية، واللعب بأدوار الكلمات التي يحدثها خطابات سورة هود عبر البنى السطحية والعميقة.

فتنتمي هذه الآيات إلى إشراك الطرف الآخر في الخطاب، حيث كان النصف الأول من الآيات خطاباً من طرف له مكانة خاصّة وشأن عظيم (اللّٰه؛ النبي، الملائكة). ولا شكّ أن إتاحة الفرصة للمرسَل إليه كي يشارك في خطابات هذه السورة يزيد من تفاعله مع الخطاب واستجابته له. فإن ذلك يزيد من تمكّن المرسَل إليه وصقل مهاراته وزيادة الثقة بنفسه، وهذه الإتاحة تقلل من فرص الفشل له كما تزيد من ضمانة تحقق النتائج. وهذا يدلّ على أنّ للمرسَل إليه أثراً ودوراً في لغة خطاب هذه الآيات وبلاغته، فيوجز المرسِل في الكلام، وهو قادر على الإطناب، ويبسط، وهو قادر على الإيجاز، وذلك مراعاةً لأحوال المرسَل إليه.

2ـ4. الوظيفة الشعرية

تسمّى هذه الوظيفة بالجمالية أو البلاغية، بحيث «تتيح معرفة على قدرة المرسل على تكوين أفكاره والتعبير عنها بأفضل الصور، ويظهر بلاغته وقدرته على إيجاد الكلمة والتعبير عن المعنى المطلوب» (جاكبسون، 1988م، ص 31). فهذه الوظيفة لا تنحصر في الشعر فقط، بل تتعداه لتشمل الرسائل الكلامية ككل.

تتمحور الوظيفة الشعرية على الرسالة (الخطاب) وتكتنز خطابه بوجوه البيان والبديع إقناعاً للمرسل إليه، وينتقي الكلمات لا لقيمتها التواصلية والإعلامية، وإنما لعلاقة التكافؤ نحو التشبيه، والمجاز، والاستعارة، والكناية أو لعلاقة غير التكافؤ على المستوى الصوتي نحو الجناس، والسجع، والتوازي، والتناظر وغيرها، والمستوى الإيقاعي نحو الوزن، والقوافي (بافو وسرفاتي، 2012م، ص 236). تدلّ الأمثلة التالية على الوظيفة الشعرية في خطابات سورة هود مع ذكر غرض الخطاب ونوعية العناصر التداولية:

 

الجدول 4. أمثلة للوظيفة الشعرية في خطابات سورة هود

الخطاب

المرسِل

المرسَل إليه

سياق الخطاب

الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1)

اللّٰه

النبي (m)

جناس الاشتقاق

أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (5)

اللّٰه

النبي (m)

الطباق: يعلم اللّٰه ما يسرُّ هؤلاء الجهلة بربهم، وما تناجوه بينهم فأخفوه، وما يعلنون

وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ (7)

النبي (m)

عموم الناس

كناية عن بلوغه القدرة، فإنّ عالم الوجود ومرتكزات قدرة اللّٰه كانت مستقرة بادئ الأمر على المواد المتراكمة الذائبة

وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ (9)

اللّٰه

عموم الناس

الاستعارة المصرحة: الاحساس بالرحمة كالمذاق بجامع قوة التأثير في كل

وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي (10)

اللّٰه

عموم الناس

الاستعارة المكنيّة: السيئات كعاقل يذهب ويجيء

مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (24)

اللّٰه

عموم الناس

التشبيه: مثل فريقي الكفر والإيمان كمثل الأعمى الذي لا يرى بعينه شيئاً، والأصمّ الذي لا يسمع شيئاً، فكذلك فريق الكفر لا يُبصر الحقّ فيتبعه ولا يسمع داعي اللّٰه إلى الرشاد. والسميع والبصير، فكذلك فريق الإيمان أبصر حُجج اللّٰه، وسمع داعي اللّٰه فأجابه.

وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ (27)

قوم نوح

نوح (j)

كناية عن السفاهة والجهل

وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللّٰه (31)

نوح (j)

قوم نوح

كناية عن الغنى وهو مقياس الأفضلية عند قوم هود

وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ (34)

نوح (j)

قوم نوح

جناس الاشتقاق

حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا (40)

اللّٰه

نوح (j)

كناية عن الموعد المقدّر في علم اللّٰه

وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ (42)

اللّٰه

النبي (m)

التشبيه: موج الطوفان كالجبل في التراكم والارتفاع

يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ يَا سَمَاءُ أَقْلِعِي (44)

اللّٰه

السماء

الاستعارة المكنيّة: الأرض والسماء ككائن حيّ يبلع ويقلع

الجناس الناقص: بين ابلعي وأقلعي

وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (67)

اللّٰه

عموم الناس

كناية عن الابادة المطلقة والإهلاك، فهو بيان حال الظالمين من قوم صالح بأنهم أُهلكوا بالصيحة

فَلَمّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى (74)

اللّٰه

النبي(m)

الاستعارة المكنيّة: الروع والبشرى كعاقل يذهب ويجيء

وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا (77)

اللّٰه

النبي (m)

كناية عن شدة الحيرة والاضطراب من قوم لوط

آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ (80)

لوط (j)

الملائكة

كناية عن شعور لوط بالضعف حيناً

فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا (82)

اللّٰه

لوط (ع)

كناية عن الانتقام وتنبيه على قدرة اللّٰه

وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا (92)

شعيب (j)

قوم شعيب

كناية عن النسيان، والجملة في موضع الحال من اسم الجلالة، أي اللّٰه أعز في حال أنّكم نسيتم ذلك

بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ (99)

اللّٰه

قوم موسى

جناس الاشتقاق

فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ (116)

اللّٰه

النبي (m)

المجاز المرسل علاقته الزمانية: أطلق لفظ القرون وأريد بها من كان يعيش فيها

وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ (117)

اللّٰه

النبي (m)

المجاز المرسل علاقته المكانيّة: أُطلق القُرى وأراد أهلها

 

كما يبدو من الآيات المشار إليها، أن عدداً غير ضئيل من خطابات سورة هود، احتوت على الوظيفة الشعرية المتألفة من الفنون البلاغية، بحيث تخلو من التكلف، وتبرأ من التصنع. فإنّها لأبلغ الطرائق في تبليغ مضامين الرسالة في الدعوة إلى التوحيد ووصف الكتاب بالإحكام والتفصيل.

فتتّسم هذه السورة بما اتّسم به القرآن العظيم من بلاغة حار فيها فصحاء العرب، فسلموا به مما يكشف عن الدقة البالغة في التراكيب اللغوية لسورة هود، وانسجام ألفاظه، وتآلف آياته. فكان أثر الخطاب في هذه السورة غايةً في نفس سامعها، وقوة في السبك، وإحكاماً في النسج، وحسناً في الإيقاع.

2ـ5. الوظيفة الانتباهية

تستعمل في الوظيفة الانتباهية كلمات وألفاظ ليس لها دور سوى التأكد من سلامة قناة الاتصال بين المرسِل والمرسَل إليه، «فتبرز هذه الوظيفة على سطح الخطاب، حينما يكون هناك أنماط لغوية تقوم بأدوار خارجية عن نطاق الخطاب الإبلاغي لتزويد المتلقّي بقيم إخبارية، كما تؤدي وظيفة المحافظة على سلامة جهاز الاتصال، والتأكّد من استمرار سلسلة الرسائل الموجّهة إليه على الوجه الذي أرسلت به» (زيان، 2016م، ص 98).

تسمّى هذه الوظيفة بالتنبيهية؛ لأنها تنبّه المرسَل إليه على ما تحدثه به، وتسمّى باقامة الاتصال؛ لأنها تتعلق بقناة التواصل، والحفاظ عليه، والتأكد من اشتغال دور الكلام، وتسمّى بالإشراكية، حيث الخطاب يعبّر عن علاقات اجتماعية، وشخصية، وفكرية تفهم من خلال المقام والكلام؛ فتدخل في هذه الوظيفة عبارات التحيّة والترحيب، نحو: مرحباً، السلام عليك، أهلاً وسهلاً، أستودعكم اللّٰه وغيرها؛ وعبارات المجاملة والأدب، نحو: تفضّل، على عيني، سلّمت يداك، عفواً، شكراً، عاشت أيديك، ساعدك اللّٰه، هنيئاً لك، رحمك اللّٰه، حيّاك اللّٰه وغيرها؛ وأساليب النداء والتصغير والترخيم، نحو: يا بُنيَّ، ربّ، أمّاه وغيرها؛ وعبارات استفهامية وأمرية دالّة على استمرار التواصل، نحو: ألو! هل تسمعني؟ هاه؟ أعرني أذنك. تدلّ الأمثلة التالية على الوظيفة الانتباهية في خطابات سورة هود مع ذكر غرض الخطاب، ونوعية العناصر التداولية:

الجدول 5. أمثلة للوظيفة الانتباهية في خطابات سورة هود

الخطاب

المرسِل

المرسَل إليه

سياق الخطاب

وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّٰه كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللّٰه عَلَى الظَّالِمِينَ (18)

اللّٰه

الأشهاد (الملائكة والأنبياء)

إشراك المرسِل والمرسَل إليه في عملية الخطاب بحيث يسأل المرسِل يوم القيامة: أي الناس أشد تعذيبًا ممن اختلق على اللّٰه كذبًا فكذب عليه؟ ويجيب الملائكة والأنبياء أنّ هؤلاء المفترين على اللّٰه كذبوا على ربهم، ثم يقول المرسِل: ألا غضب اللّٰه على هؤلاء المعتدين

وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللّٰه مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (41)

نوح (j)

قوم نوح

عبارة «بسم اللّٰه» تستعمل في افتتاح كل أمر وكل عمل من ركوب ونزول وغيره. ودورُها في هذه الآية للتأكد من سلامة قناة الاتصال بين المرسِل والمرسَل إليه

وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ (42)

نوح (j)

ابن نوح

استعطاف المرسِل (نوح) بقوله «يا بني» مذكراً له بالبنوّة مع تصغير التحنن والتراؤف، قصداً لإشراك المرسَل إليه في عملية التواصل

يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ (51)

هود (j)

قوم هود

إشراك المرسَل إليه (قوم هود) بأسلوبي النداء والاستفهام للتعجيب من أمرهم وهم يتصورون أن رسولاً من عند اللّٰه يطلب رزقاً من البشر، واللّٰه الذي أرسله هو الرزاق الذي يقوت هؤلاء الفقراء

وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ. قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ... قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ (45 ـ 47)

نوح (j)

اللّٰه

الإشراك المباشر للمرسِل والمرسَل إليه في عملية التواصل عبر استخدام الأفعال الدالة على القول وأسلوب النداء للاقتراب بينهم. فتؤدي وظيفة خطابات هذه الآيات على سلامة جهاز الاتصال، والتأكّد من استمرار سلسلة الرسائل الموجّهة إليه على الوجه الذي أرسلت به

قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللّٰه... قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا... قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللّٰه إِنْ عَصَيْتُهُ... وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللّٰه لَكُمْ آيَةً... (61 ـ 64)

صالح (j)

قوم صالح

الإشراك المباشر للمرسِل والمرسَل إليه في عملية التواصل عبر توظيف الأفعال الدالة على القول وأسلوبي النداء والاستفهام للاقتراب بينهما. فجاءت هذه الأساليب لتحريك مشاعر المرسَل إليه ولفت انتباهه له ولما يقوله المرسِل. فيلجأ المرسِل إلى لفت انتباه المرسَل إليه، وإثارة اهتمامه

وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ (69 ـ 79)

الملائكة

إبراهيم (j)

الإشراك المباشر للمرسِل والمرسَل إليه عبر استخدام أسلوب التحيّة (سلام عليك) يدل أن السلام هو سنّة الأنبياء والرسل والملائكة في الدنيا والآخرة، وأنّ هذا السلام كان من اللّٰه، وأيُّ بشارة أتمُّ من سلام الحبيب؟

قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا... قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّٰه رَحْمَتُ اللّٰه وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (72 ـ 73)

سارة (J)

الملائكة

أشرك المرسِل والمرسَل إليه باستخدام أفعال دالّة علی القول لاستمرار عملية التواصل، فتقول سارّة (المرسِل) لمّا بُشّرت بإسحاق أنّها تلد تعجّباً مما قيل لها من ذلك، ويستمرّ المرسَل إليه الحوار بتوظيفه عبارات المجاملة والأدب (رحمة اللّٰه عليكم، بركات اللّٰه عليكم)

قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللّٰه وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ. قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ. قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ (78 ـ 80)

لوط (j)

قوم لوط

توظيف الأفعال الدالّة علی القول لسلامة قناة الاتصال بين المرسِل والمرسَل إليه والتأكّد من استمرار سلسلة الرسائل الموجّهة إليه على الوجه الذي أرسلت به؛ لأن الخطاب يشير إلی أن قوم لوط كانوا يعملون الفواحش ويكثرونها من قبل ذلك الوقت، فضروا بها ومرنوا عليها وقلّ عندهم استقباحها؛ فلذلك أصرّوا عليها في العمليّة التواصلية مع لوط

 

كما لوحظ في هذه الآيات، أن الهدف من استخدام أساليب التحيّة، والترحيب، والسلام، والمجاملة، والأدب هو تحريك مشاعر المرسَل إليه ولفت انتباهه له ولما يقوله المرسِل. فيلجأ المرسِل إلى لفت انتباه المرسَل إليه، وإثارة اهتمامه بتوظيف مجموعة الإشارات والعبارات الخاصة، نحو: سلاماً، بسم اللّٰه، يا بنيّ، يا ويلتي، رحمة اللّٰه عليكم.

ومن أجل الإفصاح عن مواقف تواصلية معينة، تهدف إلى إقامة التواصل في الآيات المدروسة. فنداء لوط، وصالح، وهود، ونوح (F) وغيرهم لقومهم تنبيه لهم لقرب مكانتهم منهم، واقتران الكلام بألفاظ تدل على الترحيب، والمجاملة دلالة على المحبة، وإخلاص النصح على وجه الترقيق. وتتضح الوظيفة الانتباهية في هذه الآيات بوصايا الأنبياء (F) التي وجّهوها لقومهم. فتدل وظيفة تكرار النداء أثناء سورة هود على أهميتها، وتجديدا لنشاط المرسَل إليه لفهم فحوى الخطاب، وتجديداً لانتباهه لتبليغ رسالة هامة، وتوجيهه للتواصل، والتقارب، والتفاهم.

2ـ6. وظيفة ماوراء اللغة

تؤكد وظيفة ماوراء اللغة على تحليل اللغة كظاهرة للدراسة في اللغة نفسها، فتعمل على وصف اللغة، وذكر عناصرها وتعريفات مفرداتها على أنها وظيفة كلام اللغة نفسها (جاكبسون، 1988م، ص 31). تتمحور هذه الوظيفة حول السنَن[2]، وتكثر عندما تكون الرسالة في وضع خطابي تلقيني أو تعليمي؛ مثلاً عندما يكتسب الطفل اللغة من أمه، فيستعمل تراكيباً لغوية، تتمحور حول وظيفة ماوراء اللغة. فيتساءل الطفل من الأم أحيانا: إنّني لا أفهمكِ، ما الذي تريد قوله؟ أو بأسلوب رفيع: ما تقوله؟ فتجيبه الأم: هكذا وهكذا (بدوح، 2010م، ص 53).

بما أنّ هذه الوظيفة تبرز بين المرسِل والمرسَل إليه، عندما تستدعي الحاجةُ التأكيدَ من الاستعمال السليم للسنَن وشرحها وتفسيرها؛ فإنّ هذه الوظيفة تبدو قليلة الاستعمال في السور القرآنية. ومن الممكن أن نشير إلى أمثلة لهذه الوظيفة في البعض من الآيات الكريمة: «وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى ! قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَىª (طه 20: 17 ـ 18)، «وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ ! يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ ! وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِª (القارعة 101: 3 ـ 5). أما سورة هود فهي تخلو من تفسير للغة طبيعية ووصفها أو فكّ رموز بعض الكلمات والدلالات، فلا نرى أي استخدام لوظيفة ماوراء اللغة.

 

الخاتمة

توصلت المقالة إلى ما يلي:

ـ إن العملية التواصلية في خطابات سورة هود، إنما تستدعي أن يرسل المرسِل، أي اللّٰه، والأنبياء، والملائكة، وغيرهم رسالة لغوية إلى المرسَل إليه، أي النبي، وعموم الناس، وقوم الأنبياء وغيرهم؛ لكي تكون مؤثرة في المتلقّي. فالرسالة في هذه الرسالة تقتضي بداءة سياقا تحيل عليه، ثم سنَناً مشتركاً بين المرسِل والمرسَل إليه، وأخيراً تقتضي وسيلة اتصال أو قناة فيزيائية (الصوت، والكتابة) لتتمكن من تثبيت الاتصال. فالوظائف اللغوية الست في خطابات سورة هود مهمة في الوضع التخاطبي بمختلف مستوياته ومميزاته، لتبلغ بذلك ستة عوامل، وهي: المرسِل، والمرسَل إليه، والرسالة، والسياق، والقناة، والسنَن. فنتيجة الدراسة تبيّن مدى إفادة خطابات سورة هود من وظائف التواصل اللغوي لجاكبسون، ومدى التطابق بين أركان النظرية التواصلية وبنية التعبير اللغوي في نص هذه السورة.

ـ إنّ نسبة حضور الوظائف التداولية في خطابات سورة هود أصبحت على الترتيب التالي: 1. المرجعية؛ 2. التعبيرية؛ 3. الإفهامية؛ 4. الانتباهية؛ 5. الشعرية؛ 6. ماوراء اللغة. يوضّح هذا الترتيب أنّ الخطاب في هذه السورة يقوم في أصله على الإخبار والتبليغ ونقل الوقائع وتصويرها كما هي في الواقع ويتجلّى في جمل كاملة تعرّف العلاقة بين الدال والمدلول وتنتقل موضوعاً للمخاطب يحتمل التصديق به أو تكذيبه (الوظيفة المرجعية). ومن ثم يشير الخطاب إلى حالة المرسل الفكرية، والأنبياء خاصة، ويكشف عن مشاعره وانفعالاته إزاء الرسالة الإلهية من خلال استخدام الشخص الأول المفرد أو استخدام الأفعال الانفعالية الدالة على التعجب، والمدح، والهجو، والتأوه، والاعتراض، والغضب، والاستغاثة، والسرور، وغيرها (الوظيفة التعبيرية)؛ وفي المرحلة الثالثة، يتوجة خطاب هذه السورة إلى المرسَل إليه وقوم الأنبياء خاصة، لإثارة انتباهه، وإفهامه، وطلب قيامه بفعل ما؛ فتنحصر غالباً في أسلوبي الأمر والنداء، وتمتاز بالتأثير، والإقناع، والإمتاع، والإثارة (الوظيفة الإفهامية). وبعد ذلك تستعمل في خطابات هذه السورة كلمات وألفاظ ليس لها دور سوى التأكد من سلامة القناة بين المرسِل والمرسَل إليه، والتأكّد من استمرار سلسلة الرسائل الموجهة إليه على الوجه الذي أرسلت به (الوظيفة الانتباهية).

ـ وأخيراً تتيح في خطابات هذه السورة معرفة على قدرة المرسل على تكوين أفكاره والتعبير عنها بأفضل الصور، ويظهر بلاغته وقدرته على إيجاد الكلمة والتعبير عن المعنى المطلوب بأساليب البيان والبديع، وخاصة التشبيه، والمجاز، والاستعارة، والكناية، والجناس، والسجع، إقناعاً للمرسل إليه، وينتقي الكلمات لا لقيمتها التواصلية والإعلامية، وإنما لقيمتها الجمالية (الوظيفة الشعرية). أما وظيفة ماوراء اللغة بما أنها تؤكّد على تحليل اللغة كظاهرة للدراسة في اللغة نفسها، وتعمل على وصف اللغة، وذكر عناصرها وتعريفات مفرداتها على أنّها وظيفة كلام اللغة نفسها، فلا نرى أي استخدام لهذه الوظيفة في خطابات هذه السورة. والجدول التالي يوضّح نسبة الوظائف التداولية لخطابات سورة هود:

 

 

 

 

المرجعية

التعبيرية

الإفهامية

الشعرية

الانتباهية

ماوراء اللغة

المجموع

التكرار

87

62

45

37

12

0

243

النسبة

%36

%25

%19

%15

%5

0

%100

 

 

[1] .Roman Jacobson

[2]. Code

* القرآن الكريم.
أبو لحية، مجدي عايش عودة. (2009م). النظم القرآني في سورة هود: دراسة أسلوبية. رسالة الماجستير. الجامعة الإسلامية. فلسطين قطاع غزة. كلية الآداب.
 أوكان، عمر. (2001م). اللغة والخطاب. المغرب: أفريقيا الشرق.
بافو، ماري آن؛ وجورج إليا سرفاتي. (2012م). النظريات اللسانية الكبرى. ترجمة: محمد الراضي. بيروت: المنظمة العربية للترجمة.
بدوح، حسن. (2012م). المحاورة مقاربة تداولية. إربد: عالم الكتب الحديث.
بركة، فاطمة الطبال. (1993م). النظرية الألسنية عند رومان جاكبسون. بيروت: المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع.
بوضياف، محمد الصالح. (2020م). «أسلوب التقديم والتأخير في القرآن الكريم: دراسة بلاغية في سورتي هود وطه». مجلة المقري للدراسات اللغوية النظرية والتطبيقية. س3. ع 6. ص 90 ـ 110.
جاكبسون، رومان. (1988م). التواصل اللغوي ووظائف اللغة في الألسنية: علم اللغة الحديث قراءة تمهيدية. ترجمة: ميشال زكريا. ط 2. بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر.
حسن، عبد الناصر. (2019م). سورة هود دراسة تداولية فى تفسير الطاهر بن عاشور. رسالة الماجستير: جامعة المنيا.
حصباية، محمد. (2017م). أفعال الكلام في الخطاب القرآني: مقاربة تداولية سورة هود أنموذجاً. رسالة الماجستير. جامعة زيان عاشور الجلفة.
زكريا، ميشال. (1984م). مباحث في النظرية الألسنية وتعليم اللغة. بيروت: المؤسسة الجامعية.
زيان، ليلى. (2016م). «عملية التواصل اللغوي عند رومان جاكبسون». المجلة العربية للعلوم ونشر الأبحاث. س 2. ع 1. ص 89 ـ 102.
شارودو، باتريك؛ ودومينيك منغنو. (2008م). معجم تحليل الخطاب. ترجمه: عبد القادر المهيري وحمادي صمود. تونس: دار سيناترا.
الشهري، عبد الهادي. (2004م). إستراتيجيات الخطاب: مقاربة لغوية تداولية. بيروت : دار الكتاب الجديدة المتحدة.
صويلح، هشام. (2020م). «وظائف عناصر العملية التواصلية في الخطاب الصحفي: تطبيق على خطاطة رومان جاكبسون». مجلة الآداب واللغات والعلوم الإنسانية. س 3. ع 1. ص 177 ـ 191.
العاقد، أحمد. (2002م). تحليل الخطاب الصحفي من اللغة إلى السلطة. المغرب: الدار البيضاء.
عبد الرحمن، طه. (2005م). التواصل والحجاج. أكادير: مطبعة المعارف الجديدة.
فرانك، مانفريد. (2003م). حدود التواصل. المغرب: أفريقيا الشرق.
قطب، سيد. (2018م). في ظلال القرآن. ط 2. بيروت: دار العلم.
المسدّي، عبد السلام. (2010م). مباحث تأسيسية في اللسانيات. بيروت: دار الكتاب الجديدة المتحدة.
موات، محمود كاظم. (2017م). «نظرية التواصل في رسائل الجاحظ في ضوء نظرية جاكبسون». الجامعة العراقية. س 37. ع 2. ص 247 ـ 273.