نوع المستند : المقالة البحثیة

المؤلف

استاديار گروه زبان و ادبيات عربي دانشگاه اصفهان

المستخلص

لکل مفکر وأديب رسالي مدينة فاضلة. کان جبران خليل جبران أديبا رسالياً واصل دون تصريح في حياته وضْع أساس مدينة فاضلة خاصة به، بعد ما طرحها أفلاطون وفارابي وسنت أغوستين الإنکليزي في تاريخ الفکر الإنساني. وهناک ميزات بارزة لمدينة جبران الفاضلية وهي الحرية، والحب، والعدالة، والولع الشديد بمعرفة الحياة، والقيم الإنسانية والأخلاقية المبتکرة، وفکرة الخلود والبقاء.
فالحرية في رؤية جبران تحرّرٌ من کل قاعده شائعة خاطئة وأية قوة رادعة أمام ازدهار قدرات الإنسان. والحبّ حب الله والطبيعة والکون وأبناء البشر من خصائص مدينة جبران الفاضلية. والعدالة هي التي ترک جبران لبنان للقائها في ديار الغربة، وإن واجه بطريق مسدود، ولکن تابع هذه الفکرة حتى لقي حتفه. والولع الشديد بمعرفة الحياة أدى به إلى عدم التزوج، وذلک للتأمل والانفراد: تأمل في الله والحياة والموت ومصير الکون والإنسان. وفيما يخص القيم الإنسانية والأخلاقية المبتکرة فإن جبران سعى في إحياء الفضيلة الإنسانية والعلم والمروءة والصداقة بأسلوب مبتکر. وأخيراً حصل على فکرة الخلود والبقاء وذلک بکسبها تجارب باطنية والتأثر بالفلسفة البوذية التي أدت إلى فکرة الحلولية أو تناسخ الأرواح.

الكلمات الرئيسية

عنوان المقالة [English]

Features of Gibranian Utopia in his Literary Works

المؤلف [English]

  • Sardar Aslani

Assistant Professor, Department of Arabic Language and Literature, University of Isfahan

المستخلص [English]

Every thinker and man of letters who pursues a goal in his or her works has a utopia. After introducing utopia by Plato, Farabi and St. Augustine, Gibran Khalil Gibran established the foundations of his own particular utopia. The features of his utopia are as follows: 1) freedom; 2) kindness; 3) justice; 4) undue inclination towards knowing the world; 5) innovative moral and human qualities; and 6) the idea of eternality. The present paper attempts to elaborate on the characteristics of Gibranian Utopia in his literary works.

الكلمات الرئيسية [English]

  • Gibranian utopia
  • human and moral values
  • North Mahjar literature
  • Messenger of letter

المقدمة

کان جبران خلیل جبران من المهاجرین اللبنانیین الذین غادروا البلاد إلى أمیرکا الشمالیة بحثاً عن القیم الإنسانیة. شعَر بالاستبداد السیاسی وخَنْق الحریات والظروف غیر المؤاتیة لترویض الفکر والدفاع عن الإنسان الذی کان مثالاً من الله. فترک الأهل والأقرباء ومسقط رأسه، وبعد مواجهته الروادع العنیفة عاش فی دیاره المحجوبة أو مدینته الفاضلة فی بلاد نائیة بعد یأسه هناک أیضاً. حاول کثیراً لإصلاح الأحوال الفکریة والتصرفات الاجتماعیة عند الناس، ولکن خابت آماله ورجع صفر الیدین.

تبرّم جبران من المجتمع الإنسانی والتقالید البالیة والأعراف السائدة فیه، وفتّش عن الحیاة المثالیة فی فکره أو دیاره المحجوبة  التی لم تکن فی لبنان ولا فی أمیرکا؛ إذ واجه بطریق مسدود فی دیار الغربة، وفضّل الأسد والحیوانات الأخرى فی حدیقة الوحوش على الإنسان الذی یضحک فی وجه أخیه الإنسان ویکون سیفاً مسلولاً علیه یضربه فی ظهره.

وبعد خیبته من الإنسان لتقالید الناس ومعاملاتهم القائمة على أساس الریاء والنفاق والمصالح الشخصیة، تأمّل وتهمّس فی نفسه، وبنى لها مدینة فاضلة على أساس الحیاة المتحدة والوادعة البسیطة التی لاتتواجد فیها الفروق القائمة على مثال الحیاة المدنیة. الطبیعة والغابة هما رفیقتان خیالیتان له. عاش فیهما خیالیاً وعملیاً، وخَطّط مدینة فاضلة على أساس الحریة والکرامة والسماحة والصداقة والبساطة وسائر الأخلاق السامیة التی کانت تدور مدینته حولها فی خیاله الخصب.

 

1.  الحریة

الحریة من المقومات الأساسیة فی الأدب الرومنسی، وهی الأساس الأول الذی بنی علیه الأدب الجبرانی ومدینته الفاضلة؛ إذ إنه کان رومنسیاً فی اتجاهه الفکری والأدبی. هذه المیزة هی التی سببت الأدب الجبرانی یظهر بما ناله فی أرجاء العالم من التقدیر والإعجاب والإقبال الشدید إلیه. رغم أنه کان جبران أُرتوذکسی المذهب أُسریاً، ولکن لم یتبع هذا المذهب ودعا إلى التسامح والتسامی فی الدین.

وجدیر بالإشارة أن نزعة الحریة عند جبران لا تحصر فی الحریة الدینیة فحسب، بل تشمل کل نواحی الفکر ومرافق الحیاة. الحریة فی الفکر وما إلیه، والحریة فی الأدب وأسالیبه والاتجاه النقدی والعروضی والحریة الاجتماعیة والسیاسیة، وأخیراً حریة الإنسان من کل ما یقیم دونه: عراقیل وشطوط وحدود.

کان دین جبران دین الحریة والدین العاطفی الرومنطیقی الذی اکتسبه من تجاربه الذاتیة وتأملاته الکثیرة فی أحضان الطبیعة، واللجوء إلى الغابة والجبل والشلال والتأمل فی مظاهر الکون، والسعی الکثیر فی معرفة الحق هو الذی تعوّده جبران. فقد صرّح کثیراً فی آرائه عن الحریة الدینیة حتى واجه مشاکل عدیدة؛ منها تکفیره وإحراق کتبه وجعل آثاره فی القائمة السوداء. قال فی الدین منتقداً معاملة الناس به تجّاراً:

والدینُ   فی الناس حقلٌ لیس یزرعه
  من آمل بنعیم الخلد مبتشرٍ
  فالقومُ لولا عقابُ البعث ما عبَدوا
  کأنما الدینُ ضربٌ من مَتاجرِهم
 
 

 

 

 

 

غیر   الألى لهمُ فی زرعه وطَرُ
  ومن جهولٍ یخافُ النارَ تستعِرُ
  ربّاً، ولولا الثوابُ المرتجى کفَروا
  إن واظبوا ربحوا أو أهملوا خسروا

 
 

(جبران، آ د.ت، المواکب، ص 338)

هذه الأبیات کلام شیخ یخرج عن المدینة، ویتبرم من الحیاة فیها لتقالیدها الفاسدة والبالیة وغیر الإنسانیة. التقالید والأعراف التی جعلت الإنسان یعیش فی ذل وحقارة ونفاق. ولیس الشیخ الخارج عن المدینة إلا جبران نفسه، الذی طمح فی شبابه طموحات کثیرة، وواجهت عملیاً طریقاً مسدوداً أمامه. کابد العراقیل والروادع الهائلة، وخابت آماله فی إصلاح المجتمع وتقالیده والأعراف السائدة فیه.

ثم یردف إلى کلام الشیخ، کلام الشاب السعید الذی یخرج من الغابة ویعزف على النای، نای السعادة والحیاة المتحدة والفرح. یدّعی هذا الشاب ـ وهو جبران نفسه ـ بأن الحیاة فی حضن الطبیعة والغابة، حیاة ترافق الحریة والجمال والوحدة والأنغام المنسجمة دون سیادة القوانین الظالمة وغیر العادلة الوضعیة التی تسبب انحطاط المجتمع الإنسانی، وتؤدی أخیراً إلى الفرقة والخلاف بین أبناء البشر. هنا یجیب الشاب:

لیس فی الغابات دینٌ
 
فإذا البلبل غنّى
  إن دینَ الناس یأتی
  لم یقم فی الأرض دینٌ

 
 

 

 

 

 

لا،   ولا الکفرُ القبیحْ
  لم یقل هذا الصحیحْ
  مثلَ ظلّ ویَروحْ
  بعدَ طه والمسیحْ

 
 

(جبران، آ د.ت، المواکب، ص 339)

شکى الشیخ المدینة وما تجری فیها من المساوئ والمظالم والاتهام على الآخرین، وتحدث الشاب الذی عاد من الغابة ملیئاً بالتجارب والسرور الذاتی فی ظل حیاة متحررة ومتحدة ومجردة، وأردف قائلاً:

أعطنی النایَ وغَنِّ
  وأنینُ النایِ یبقى

 
 

 

 

فالغِنا خیرُ الصلاةْ
  بعد أن تفنى الحیاةْ

 
 

(السابق)

النای بید الشاب ولماذا قال: أعطنی النای؟ بعد ما استمع الشیخ إلى النای وعزف الشاب ألحان السعادة ومعرفة کمون الذات، مال الشیخ إلى نایه وکأنه أخذ منه وخاطبه الشاب: أعطنی النای وبادِر بالغناء؛ لأن ألحان هذا النای ینم عن الوحدة والحیاة المتلاحمة المنسجمة.

یرى جبران (آ د.ت) بأن الحریة مفقودة بین أبناء البشر:

قد اتبعت الإنسان من بابل إلى باریس، ومن نینوى إلى نیویورک، ورأیت آثار قیوده مطبوعة على الرمال بجانب آثار أقدامه. وسمعت الأودیة والغابات تردد صدى نواح الأجیال والقرون. دخلت القصور والمعاهد والهیاکل، ووقفت حذاء العروش والمذابح والمنابر، فرأیت العامل عبداً للتاجر، و التاجر عبداً للجندی، والجندی عبداً للحاکم، والحاکم عبداً للملک، والملک عبداً للکاهن، والکاهن عبداً للصنم، والصنم تراب جبلته الشیاطین ونصبته فوق رابیة من جماجم الأموات. فرأیت الأطفال یرضعون العبودیة مع اللبن، والصبیان یتلقنون الخضوع مع حروف الهجاء، والصبایا یرتدین الملابس مبطنة بالانقیاد والخنوع، والنساء یهجعن على أسرّة الطاعة والامتثال (العواصف، ص 372).

ثم یقول فی بیان أدبی خلاب مثبتاً فقدان الحریة بین الناس:

ولما تعبت من ملاحقة الأجیال، ومللت النظر إلى مواکب الشعوب والأمم، جلست وحیداً فی وادی الأشباح حیث تختبئ خیالات الأزمنة الغابرة وتربض أرواح الأزمنة الآتیة. هناک رأیت شبحاً هزیلاً یسیر منفرداً محدّقاً إلى وجه الشمس. فسألته: من أنت وما اسمک؟ قال: اسمی الحریة. قلت: وأین أبناؤک؟ قال: واحد مات مصلوباً وواحد مات مجنوناً وواحد لم یولد بعد. ثم توارى عن عینی وراء الضباب (السابق، ص 374).

إن جبران یصرح أن الحریة الحقیقیة لاتحصل للبشر فی المجتمع الإنسانی؛ إن تحرّر من الناس فیؤتسر فی سجن بناه من منازعه وأفکاره، بینما لایدری هو أسیر لمیوله. والطریق الوحید لحریة الإنسان بناء المدینة الفاضلة الخیالیة والعیش بها وفیها. وجبران هو الذی اختار الغابة رمزاً لمدینته الفاضلة:

والحرُّ فی الأرض   یبنی من منازعِه
  فإن تحرّر من أبناءِ بَجْدته
  فهو الأریبُ ولکن فی تصلُّبه
  وهو الطلیقُ ولکن فی تَسرُّعِه

 
 

 

سجناً له وهو لا   یدری فیؤتسرُ
  یظلّ عبداً لِمن یهوى ویفتکرُ
  حتى وللحق بُطلٌ بل هو البَطَرُ
  حتى إلى أوج مجد خالد صِغرُ

 
 

(جبران، آ د.ت، المواکب، ص 341)

هذه الأبیات من کلام الشیخ الذی کان رمزاً وممثِّلاً عائداً من المدینة، وأخبر الشاب بالواقع المدنی الذی یعیش الناس فیه. ثم یجیب الشاب ویؤکد الحیاة فی الغابة حیاة متسقة تعزف نغم الوحدة، ولیست فیها أیة مفارقة أو ازدواجیة؛ کل ما فیها یغنّی موسیقى واحدة منسجمة:

لیس فی الغابات حُرٌّ
  إنما الأمجادُ سُخْفٌ
  فإذا ما اللوزُ ألقى
  لم یقُل هذا حقیرٌ
 
  أعطنی النایَ وغَنِّ
  وأنینُ النایِ أبقى

 
 

 

لا، ولا العبدُ   الذمیمْ
  وفقافیـعٌ تَعــومْ
  زَهرُهُ فوقَ الهَشیمْ
  وأنا المَولى الکریمْ
 
  فالغِنا مجدٌ أثیلْ
  من زنیم وجلیلْ

 
 

(السابق)

 

2.  الحب

کان جبران بطبعه رومنطیقیاً قبل انخراطه إلى التیار الفکری الرومنطیقی. وقبل جنوحه إلى الأدب الرومنطیقی والمحاولة فی التعرف على الرومنطیقیة الأروبیة، نشأ بفطرته وبتأثیر عن عوامل کثیرة بیئیة کانت أو سیاسیة أو وراثیة، رومنسی النزعة. ومن المیزات البارزة للأدب الرومنسی حب الطبیعة والإنسان وکل مظاهر الکون. لایمکن أن نفترض رومنطیقیاً دون أن نلمس فیه ملامح الحب الشدید لأبناء نوعه والطبیعة التی یعیش فیها. نواجه فی الآثار الأدبیة التی تخص بالدراسات عن الرومنطیقیة هذه المیزة؛ أی میزة ترجیح العاطفة على العقل وحب الطبیعة وبنی الإنسان (جعفری، 1378هـ . ش، ‌ص 14 ـ 23).

إن جبران یدّعی محبة الله والإنسان؛ وفی حبه للإنسان لا یمیز بین إنسان دون إنسان وعرق دون عرق ولون دون لون، بل یحب کلّاً: إما الصالح والفاسد، وإما القاتل و المقتول، وإما العالم والجاهل؛ لأن الإنسانیة فی رأیه سلسلة متلاحقة مرتبطة ومتماسکة بعضها ببعض، وکل إنسان من أی جنس کان هو حصیلة تصرف المجتمع الإنسانی کله، حیث یقول:

یا إخوتی وجیرانی ! ویا أیها المارّون ببابی کل یوم ! لقد أحببتکم کثیراً وفوق الکثیر. قد أحببت الواحد منکم کما لو کان کلکم، وأحببتکم جمعیاً کما لو کنتم واحداً. ففی ربیع قلبی کنت أترنم فی جنانکم، وفی صیف قلبی کنت أحرس بیادرکم؛ أجل، قد أحببتکم جمعیاً: جبارکم وصعلوککم، أبرصکم وصحیحکم، وأحببت من یتلمس منکم سبیله فی الظلام، کمن یرقص أیامه على الجبال والآکام (ناعوری، 1959م، ص 356).

یقول ناعوری (1959م)  فی هذا الصدد:

لذلک لا غرابة فی أن یبذل للناس وأن تکون محبته لا تعطی إلا نفسها، ولا تأخذ إلا من نفسها ولا تملک شیئاً، لأنها مکتفیة بالمحبة، أو هی بکلمة أخرى، محبة لأجل المحبة نفسها، لا لغرض ترابی آخر. وهل فوق هذه المحبة محبة یبذلها إنسان للناس؟ (ص 357).

الحب من المواد الأساسیة التی شیّدت صرح جبران الفکری والادبی. کان یحب العالَم والحیاة ویرى المحبة من عناصر الکون ولبنته الأولى، کما نلاحظ هذه الرؤیة نفسها عند صدیقه الحمیم ومرافقه فی «الرابطة القلمیة»[1]، میخائیل نعیمة: «عناصر الکون أربعة: م ح ب ت» (نعیمة، 1972م، ص 43).

الحب عند جبران لیس لغرض مادی أو آنی لجلب المصلحة أو دفع الضرر، بل فکرة سامیة تسمو بروح الإنسان إلى الأفق الأعلى وأعالی الأخلاق الإنسانیة: «أحبّوا بعضکم بعضاً، ولکن لاتقیدوا المحبة بالقیود، بل لتکن المحبة بحراً متموجاً بین شواطئ نفوسکم. لیملأ کل واحد منکم کأس رفیقه، ولکن لاتشربوا من کأس واحدة» (جبران، ب د.ت، النبی، ‌ص 89 ـ 90).

نعود مرة أخرى إلى «مواکب» جبران الذی ملأها بروحه الصافیة و أثراها بدمه السائل وإحساسه العنیف والصادق:

 

والحُبُّ فی   النـاس أشکالٌ وأکثرُها
  وأکثرُ الحُبِّ مثلُ الراح أیسرُهُ
  والحُبُّ إن قادت الأجسامُ مَوکبَه
  کأنه ملکٌ فی الأسر مُعتقَلٌ

 
 

 

کالعُشب فی   الحقل لا زهرٌ ولا ثمرُ
  یُرضـــی وأکثرُه للمدمن الخطرُ
  إلى فراشٍ من الأغراض یَنتحرُ
  یأبى الحیـاةَ وأعوانٌ له غدروا

 
 

(جبران، آ د.ت، المواکب، ص 342)

یتحدث جبران عن الظروف السائدة الأخلاقیة بلسان الشیخ فی المدینة أو المجتمع الإنسانی، ویذهب أن الحب عند الناس لا یثمر ولا ینتج شیئاً إذا بعثته الأغراض المادیة والأمیال الدنیویة الخسیسة. ثم یتطرق إلى مدینته الفـاضلة الخیالیة ویقول:

 

لیس فی الغاب   خلیعٌ
  فإذا الثیرانُ خارَتْ
  إن حُبَّ الناس داءٌ
  فإذا ولّى شبــابٌ
  أعطنی النـایَ وغَنِّ
  وأنینُ النـایِ أبقى

 
 

 

یدّعی نبلَ   الغرامْ
  لم تقل هذا الهیـامْ
  بین لحمٍ وعِظــامْ
  یختفی ذاک السَّقـامْ
  فالغِنا حبٌّ صحیـحْ
  مِن جمیلٍ وملیــحْ

 
 

(السابق)

الحیاة فی الغاب بعید عن الریاء والصنعة والنفاق الأخلاقی والاجتماعی و«کُلٌّ یَعْمَلُ عَلى شاکِلَتِهِª (الإسراء 17: 84)؛ کل یهتف هتافه الباطنی صراحة فی المدینة الجبرانیة؛ هناک خلوص وشفافیة وصدق فی القول والعمل.

3.  العدالة

من البواعث الهامة التی سبّبت هجرة جبران من لبنان إلى أمیرکا الشعور بفقدان العدالة، وحرمان الناس من وسائل العیش الضروریة الأولیة، وسیادة الاستبداد السیاسی فی البلاد العربیة خاصة فی لبنان، والأرضیة غیر المؤاتیة لازدهار الفکر وسموّ الروح وحریة التعبیر والعدل الذی کان فی کلام إمام العدالة علی 4: «العدل یضع الأمور مواضعها» (نهج البلاغة، قصار الحکم، رقم 437).

وکما قیل: العدل «جعلُ الأشیاء مواضعها» و«القصد والاعتدال فی الأمور» (مسعود، 1993م، «العدل»)، ولکنه مفقود فی لبنان وبین بنی البشر. أما جبران، فیعشقه ومن طموحاته تنفیذه فی المجتمع العربی والعالم الإنسانی کله، بید أنه خابت آماله فی بلاده، وترکها إلى أمیرکا على أمل أن یشاهد سریانه فی دیار الغربة، ولکن واجه عملیاً برادع قوی، وهناک أزمات أخلاقیة وإنسانیة تمنع إقامة العدل. فأصبحت مشاعره مکبوتة وترک مدینة «نیویورک» و«بوسطن» الأمیرکیتین إلى الغابات والشلالات والجبال فی نفس البلاد، وعاش وأصدقاءه نعیمة، ونسیب عریضة، وعبدالمسیح حداد و ... فی أحضان الطبیعة؛ إذ إنهم تبرموا من الظروف السائدة فی لبنان وأمیرکا أیضاً.

ثم اضطلع جبران بمهمته الإنسانیة فی الدفاع عن الفضیلة الإنسانیة والعدالة الاجتماعیة والأخلاقیة. ووسائله فی هذه المهمة الشاقة هی آثاره الفنیة وکتبه الأدبیة والفکریة. طرح حکایة أطلقت علیها «العدالة» أشیر إشارة عابرة إلیها:

دخل رجلٌ الأمیرَ باحترام ووقار. بینما کانت إحدى عینیه مفقوءة والدم ینزف من نقرتها الفارغة سُئل: ما هذا؟ قال: إننی کنت لصاً أرید أن أسرق من أموال صیرفی، ودخلت من نافذة فی منزل جاره الحائک، فلطم نوله عینی وفقأها. أرسل الأمیر فی الحال إلى الحائک وبعد حضوره قال: مهنتی بحاجة إلى عینین ولکن لی جار مهنته السکافة وتکفیه عین واحدة. أرسل الأمیر إلى الإسکافی، فحضر واقتُلِعت عینه وهکذا تأیّدت العدالة (جبران، ب د.ت، المجنون، ‌ص 19 ـ 20).

یرى جبران العدالة ناقصة التنفیذ ومنحرفة عن مجراها الصحیح، تجری بحق الضعفاء فحسب. بعض أنواع الظلم غیر مرئیة أو غیر محسوسة: «أی عقاب تنزلون بذلک الذی یقتل الجسد مرة ولکن الناس یقتلون روحه ألف مرة؟ ... وأنتم، أیها الراغبون فی سبر غور العدالة، کیف تقدرون أن تدرکوا کنهها إن لم تنظروا إلى جمیع الأعمال بعین الیقظة فی النور الکامل؟» (جبران، ب د.ت، النبی، ص 108).

تجدر الاشارة هنا إلى أن جبران یتبرم إلى حد من أبناء نوعه ومتشائم بهم، ولکن یرى أن الحیاة بنیت على أساس العدالة ونظام الکون نظام عادل فی حکمه: «کیف أخسر إیمانی بعدل الحیاة، وأنا أعرف أن أحلام الذین ینامون على الریش لیست أجمل من أحلام الذین ینامون على الأرض؟» (جبران، ب د.ت، رمل وزبد، ص 156).

یرى جبران أنه على المجتمع الإنسانی أن یزیل الشرّ قبل إزالة الشرور، وأن یزیل القتل قبل إزالة القاتل، وأن یزیل المعصیة قبل إزالة العاصی. بعبارة أخرى، المکافحة للعلة أهم من إزالة المعلول: «فالحقیقة أنه ما من جریمة یرتکبها رجل فرداً أو امرأة وحدها، إن جمیع الجرائم یشترک الجمیع فی ارتکابها» (جبران، ب د.ت، یسوع ابن الإنسان، ص 233). وهناک ملاحظات فی وجهات نظر جبران نشیر  إلیها وننتقدها فی نهایة المقالة فی قسم الاستنتاج والنقد.

ویرى الرئیس المهجری الشمالی العدل ینفَّذ للمعوزین والمحرومین فقط؛ أما الأثریاء والأقویاء فهاربون من وجه العدالة بأنواع من الحیل حتى باسم القانون والقضاء والمحاماة و...:

والعدلُ فی الأرض یُبکی الجنَّ لو سمعوا
  فالسجنُ والموتُ للجانینَ إن صَغروا
  فسارقُ الزّهرِ مذمــومٌ ومحتقَرُ
  وقاتلُ الجسم مقتــولٌ بفعلته

 
 

 

به ویستضحکُ الأموات لو نظَروا
  والمجدُ والفخرُ والإثراءُ إن کبـُروا
  وسارقُ الحَقل یُدعى الباسلُ الخطرُ
  وقاتلُ الروح لا تدری به البشرُ

 
 

(جبران، آ د.ت، المواکب، ص 339)

ثم یتطرّق جبران إلى مدینته الخیالیة ویقول: هناک لا تسود القواعد الظالمة على مثال المجتمع الإنسانی باسم القانون والعدالة والمکافأة و ... ، والأحکام لا تجری على علاتها، وکلٌّ حرّ فی تصرفاته، ولا یفتخر البعض على البعض:

لیس فی الغابات عدلٌ
  فاذا الصّفصافُ ألقى
  لا یقولُ السّرو  هذی
  إن عدل الناس ثَلجٌ
 
  أعطنی النایَ وغَنِّ
  وأنینُ النایِ یبقى

 
 

 

لا، ولا فیها العقابْ
  ظِلَّه فوقَ الترابْ
  بِدعةٌ ضدّ الکتابْ
  إن رأتْه الشمسُ ذابْ
 
  فالغِنا عدل القلوبْ
  بعد أن تَفنى الذنوبْ

 
 

(السابق)

الغنا الذی اعتُبر عدل القلوب یرمز إلى وصول الإنسان الرسالی إلى الغایة المنشودة، وهو الذی یعشق بالمدینة الفاضلة، وامتلأ قلبه بالتجارب العاطفیة والمحبة وإدراک وحدة الوجود والانقطاع الشخصی. ثم یُشعر هذه التجارب للآخرین على لسان شاب کان یعزف على نای السعادة. ألیس الشاعر من «یَشعر ویُشعر» (التونسی، ‌د.ت، ص 220 ـ 221). الغنا فی الأصل هو التجربه العاطفیة الرومنطیقیة التی کالشحنة یُفرغها الشاعر ویرتاح بإفراغها.

وفی نهایة هذا الموضوع نشیر إلى کلامه الجارف فی العدل: «أیها العدل الخفی، الکامن وراء هذه الصور المخیفة، أنت أنت السامع عویل نفسی المودعة، ونداء قلبی المتهامل. منک وجدَک أطلب، وإلیک أتضرع. فارحمنی وارعَ بیمناک ولدی، وتسلّم بیسراک روحی!» (جبران، آ د.ت، عرائس المروج، ص 67).

 

4.  الولع الشدید بمعرفة الحیاة

اشتاق جبران إلى معرفة الحیاة، وکان أول من شق سبیل البساطة فی التعبیر عن خوالج النفس والحیاة. عبّر عن الحیاة والإنسان تعبیراً صادقاً وجمیلاً. کان على طلیعة الرعیل الذی کسر فی الأدب العربی مقاومة القلعة الحصینة للمحافظین أمام حرکة الأدب المعاصر الذی خرج من قوالبه الظاهریة، وتسرّب فی أعمان کمون نفس الإنسان.

الأدب المعاصر قد انحصر نفسه فی القشور ولمّا یدخل اللباب، وجبران هو الذی أخرج هذا الأدب منها ومن خدمة الأمراء والحکّام والقصور، وجعل للأدب رسالة إنسانیة عامة، فلم یمدح أمیراً ولم یصف قصراً ولم یدافع عن القومیات والعروبة، بل شعر برسالة إنسانیة أخلاقیة أمام أبناء البشر کلهم.

لم یتمتّع جبران من لذّات الدنیا المباحة، ولم یتزوّج حتى یدرک معرفة الحیاة؛ إذ إن الحیاة العائلیة فی رؤیته تحول دون التأمل والنجوى لإدراک کنه الحیاة والنفس الإنسانیة.

«أنا» هی ألفُ الوجود ویاؤه. من عرفها عرف کل شیء. من عرفها عرف لذة الألم وتذوق الطمأنینة الروحیة حتى فی أنکد حالاته، ومن جهلها جهل مرارة اللذة ولم یعرف سوى الألم حتى فی أسعد أوقاته. بل الفرق ـ بین الناس ـ على قدر ما یضیق الواحد منهم «أنا» ویوسعها الآخر (نعیمة، 1974م، ص 203).

یقول الدکتور شفیق البقاعی (1990م) فی هذا المجال: «یسوده [الأسلوبَ النثری للرابطة القلمیة برئاسة جبران] التأملُ فی هذا الوجود الإنسانی، وفیه استلهام للطبیعة وتحرّر فکری وتعبیری، إلى جانب الجنوح نحو الخیال المحلَّق فی أجواء رمزیة شفافة حیناً، ورومنطیقیة عاطفیة أحیاناً» (ص 266).

یقول جبران (آ د.ت) فی تأملاته الروحیة:

سکوتیَ إنشادٌ   وجوعیَ تخمةٌ
  وفی لوعتی عرسٌ وفی غربتی لقاً
  وکم أشتکی همّـاً وقلبی مُفاخر
  نظرتُ إلى جسمی بمرآة خاطری

 
 

 

وفی عطشی ماء وفی   صَحوتی سکرُ
  وفی باطنی کشف وفی مظهری ستر
  بهمّی، وکم أبکی وثغری یفتر
  فألفیتُه روحاً یقلّصه الفکر

 
 

(جبران، آ د.ت، البدائع والطرائف، ص 594)

ثم یقول:

یا نفس لولا مَطمعـی                                    بالخلد ما کنتُ أعـی

لحناً تُـغنّیه الدهورْ

بل کنتُ أنهى حاضری                                   قسراً فـیَغدو ظاهری

سرّاً تواریه القبـور

(السابق، ص 598)

هذه نماذج من تأملاته وحیاته القلبیة التی سکبها فی قوالب الشعر. هناک حقیقة وهی أن جبران کما صرح نفسه فی نهایة عمره «لم یقل کلمته بعد». حالاته الروحیة وتأملاته الطویلة فی دیار الغربة وبعد العودة فی لبنان لمّا تکشف. کل هذه أدّت إلى تعبیر جبران المفعم بالتجارب الأصیلة والصادقة وفی کثیر من الأحیان النادرة. «جبران رجل الطبیعة الغنیة. إنه مزیج من فکر عمیق، والتماع إیحائی، وإشراق نورانی، وعاطفة متأجّجة. وهو سلطة مسیطرة، وعقل غنی، وسحر أخّاذ، ومثالیة مطلقة، وإنسانیة واسعة» (الفاخوری، 1986م، ص 218).

حاول کثیراً فی معرفة الحیاة والإنسان، وانتهى فی الأولى إلى وحدة الوجود، التقمص أو الحلولیة وخلود النفس. و التقمص وتناسخ الارواح أو الحلولیة ـ کما نعلم ـ فکرة واحدة أخذت عن الفکر البوذی الهندی وتعنی حلول روح الإنسان المیت فی جسم یعیش.

کثیر من ملاحظات جبران الفکریة تنسجم والإسلامَ، وفی بعض المسائل تختلف عنه. یقول عن معرفة الإنسان: «رأس الحکمة معرفة الذات» (جبران، آ د.ت، العواصف، ص 436). إنه سبر أغوار النفس البعیدة دون تعلّم أو تلمّذ فی صفّ من صفوف الفلسفة أو الکلام، وصار من کبار الفلاسفة وعظام المتکلمین. «فکر واحد یجیئک فی سکینة اللیل یسیر بک إلى المجد أو إلى الجنون» (جبران، آ د.ت، الأجنحة المتکسرة، ص 189). هذه إشارة عابرة إلى حیاته الفکریة القلبیة.

ویقول فی الإنسان:

واجب الإنسان أن یکون سعیداً على الأرض، وأن یعلم سبل السعادة، ویکرز باسمها أینما کان. ومن لایشاهد ملکوت السماوات فی هذه الحیاة، لن یراها فی الحیاة الآتیة؛ لأننا لم نجئ هذا العالم کالمنفیین المرذولین، بل جئنا کالأطفال الأغبیاء لکی نتعلم من محاسن الحیاة وأسرارها عبادة الروح الکلی الخالد واستطلاع خفایا نفوسنا (جبران، آ د.ت، الأرواح المتمردة، ص 131).

رغم کل محاولات جبران هذه فی معرفة الحیاة والإنسان، لم یحصل کل ما أراد. وهذا بعضه یعود إلى أن الإنسان حلقة من حلقات العالم ومخلوق من الله ولیس زمام الأمور والمقادیر بیده؛ کما قال الشاعر:

ما کل ما یتمنى المرء یدرکه
 
 

 

تجری الریاح بما لا تشتهی السفن
 
 

ونفسه لا تقدر على إتیان کل العظام من الأمور فی العالم. قدرات الإنسان وطاقاته فی مواجهة قضایا الحیاة محدودة ولیست بلا حدود وشطوط.

وعامل آخر أثّر فی عدم إدراکه المقاصد والأهداف المنشودة هو اکتفاؤه بنفسه؛ لم یتبع دیناً ولم یستفد من المعارف الدینیة من أی دین کان و إن کانت المسیحیة وهی دین أسرته. عقل الإنسان بدون الوحی الإلهی ناقص؛ «یرى بعین واحدة» وینظر حقائق الکون من منظار واحد وناقص طبعاً.

 

5.  القیم الإنسانیة والأخلاقیة المبتکرة

تتجسد القیم الإنسانیة والأخلاقیة فی آثار جبران الأدبیة. برؤیة عابرة تظهر هذه المیزة عند هذا الادیب الإنسانی ظهور الشمس. یرى الأدب کمستشاره فی الرابطة القلمیة ـ میخائیل نعیمة ـ ذا رسالة إنسانیة سامیة: «للأدب رسالة سامیة. ومن أنکر على الأدب رسالته، کان مارقاً عن الأدب» (نعیمة، 1990م، ص 45). رأى جبران الأدب وسیلة للتعبیر عن النفس الإنسانیة والتعریف بالطاقات الکامنة البشریة وتفسیر حالاته وحاجاته.

هذه الرؤیة فی الأدب جعلت جبران یهدف فی آثاره القیم الإنسانیة والأخلاقیة السامیة. لم ینس أبداً نشر الفضائل الأخلاقیة وتبلیغها والهجمة العنیفة على الرذائل القائمة فی المجتمع البشری. هناک عنایة بالقیم المذکورة فی الأدب العربی من القدیم إلى المعاصر، کما عند «لبید بن ربیعة» ـ وهو شاعر مخضرم عنى کثیراً بالقیم الإنسانیة والأخلاقیة ـ و عند «الشریف الرضی»، وفی العصر المعاصر عند «حافظ إبراهیم» و«عباس محمود العقاد».

وبعد أن هذه المیزة قد نسیت عند کثیر من الأدباء الکلاسیکیین المعاصرین، انتعشت وتبلورت من جدید فی آثار أدباء المهجر الشمالیین خاصة جبران خلیل جبران. وإلى جانب عنایة جبران الشدیدة بالقیم، لیست أیة إشارة فی آثاره بالمجون والإباحیة؛ وبعبارة أخرى، الأدب الجنسیّ لم یحتل أیة مکانة عنده، بل هاجمه بعنف وصراحة نادرة: «إن المؤمن یعیش کل الأیام وکل اللیالی، أما غیر المؤمن فلا یعیش سوى ثوان محدودة» (جبران، آ د.ت، البدائع والطرائف، ص 598).

 

 

 

إن کتابه النبی[2] مفعم من النقد و الثورة على القیم الخاطئة والمحاولة فی إثارة الفضائل الإنسانیة السامیة. یقول منتقداً الناس فی نظرتهم إلى الجمال: «لیس الجمال فماً متعطشاً أو یداً ممدودة، بل هو قلب ملتهب، ونفس مفتونة مسحورة» (جبران، آ د.ت، النبی، ص 130).

ویقول: «اجعلنی یا الله فریسة الأسد قبل أن تجعل الأرنب فریستی» (جبران، ب د.ت، رمل وزبد، ص 155). ویقول: «لو خُیّرت بین القوة على کتابة الشعر وما فی الشعر غیر المکتوب من الهُیام، لاخترتُ الهیام؛ فهو خیر من الشعر» (السابق، ص 162). ویقول فی الحب: «ولو کانت المحبة فی اللحم، لکنت أحرقه بالحدید الحامی وأحظى بسلامتی، ولکنها فی النفس، فلا یُبلَغ إلیها» (جبران، ب د.ت، یسوع ابن الإنسان، ص 352).

جبران کان یتبع کل ینبوع من الفضیلة دون أیة عصبیة قومیة ودینیة و ... : «هذا هو الفارض: روح نقیة کأشعة الشمس، وقلب متقد کالنار، وفکرة صافیة کبحیرة بین الجبال» (جبران، آ د.ت، البدائع والطرائف، ص 565). صاد الحق والأخلاق أینما کانا. طرح حکایة طفلین ولدا فی مدینة واحدة جمیلة مثیرة. واحد ابن الأمیر والآخر ابن أرملة فقیرة. هاجم فیها بعنف وصرامة على الأعراف غیر الإنسانیة عند الناس: تعظیم أبناء الأمراء وتحقیر أبناء الفقراء (جبران، آ د.ت، دمعة وابتسامة ـ طفلان، ‌ص 272 ـ 273).

 

6.  فکرة الخلود والبقاء

فکرة الخلود والبقاء میزة من میزات جبران الفکریة. أدرک بتأمله وأدبه المهموس نظریة خلود الإنسان وبقاء الروح بالتقمص أو تناسخ الأرواح أو الحلولیة. والإنسان عنده لیس مصداقاً خاصاً، بل سلسلة متلاحمة منه مذ بدایة الکون إلى نهایته. هناک عوامل لتأمله فی حقائق العالم والحیاة والموت ثم الوصول إلى هذه الفکرة: التکوین النفسی، الغربة والتوق إلى الانعتاق من القیود المادیة والنفسیة والطبیعیة الشرقیة والروح الدینیة المتأصلة فی نفوسهم والرؤیة المأساویة للحیاة، والتأثر بفکر الشرق وفلسفة المتصوفین (عبدالدایم، 1993م، ص 509).

یقول مخاطباً النفس:

یا نفس ما العیش سوى                                 لیـلٍ إذا جَنّ انتهـى

بالفجر، والفجر یدومْ

وفی ظما قلبی دلیــل                                     على وجود السلسبیل

فی جرة الموت الرَّحومْ

یا نفس إن قال الجهول                                  الروح کالجسم تزول

وما یزول لا یعــودْ

قولی له إن الزهــور                                    تمضـی ولکنّ البذور

تبقى وذا کنه الخلـودْ

(جبران، آ د.ت، البدائع والطرائف، ص 598)

خلود الإنسان بخلود روحه «ولکن الأجیال التی تمرّ وتسحق أعمال الإنسان لاتفنی أحلامه، ولا تضعف عواطفه. فالأحلام والعواطف تبقى ببقاء الروح الکلی الخالد» (جبران، آ د.ت، عرائس المروج، ص 50)

نتیجة البحث

جبران خلیل جبران کان أدیباً ومفکراً رسالیاً. حاول کثیراً فی تحویل الأعراف الشائعة غیر الإنسانیة فی المجتمع، ولکن صار متعب النفس بمخالفة العرف العام فی سلوکه ودوام الاعتراض على الناس ورجوعه صفر الیدین. فبنى مدینة فاضلة لنفسها کما بناها أفلاطون وفارابی وسنت أغوستین فی تاریخ الفکر الإنسانی الرسالی. ترک واقع الناس وعاش فی برجه العاجی الخیالی. أقنع نفسه الجیّاشة بعیش فی مدینته الفاضلة الخاصة به بعد محاولات کثیرة فی إصلاح التصرفات الاجتماعیة وشعوره بعدم جدواها، فوضع مقومات أساسیة لمدینته وهی: الحریة، والحب، والعدالة، والولع الشدید بمعرفة الحیاة، والقیم الإنسانیة والأخلاقیة المبتکرة، وفکرة الخلود والبقاء.



 

  1. أ) العربیة

    ·      القرآن الکریم.

    • نهج البلاغة. (تحقیق صبحی الصالح). (1365هـ. ش). قم: دار الهجرة.
    1. البقاعی، شفیق. (1990م). أدب عصر النهضة. بیروت: دار العلم للملایین.
    2. التونسی، حمد خلیفة. (د. ت). فصول من النقد عند العقاد. مصر: مکتبة الخانجی ـ بغداد: مکتبة المثنى.
    3. جبران، جبران خلیل. (آ د. ت). المجموعة الکاملة العربیة (الموسیقى، عرائس المروج، الأرواح المتمردة، الأجنحة المتکسرة، دمعة وابتسامة، المواکب، العواصف، البدائع والطرائف). [د. م]. [د. ن].
    4. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ . (ب د. ت). المجموعة الکاملة المعرّبة (المجنون، السابق، النبی، رمل وزبد، یسوع ابن الإنسان، آلهة الأرض، التائه، حدیقة النبی).  [د. م]. [د. ن].
    5. عبدالدایم، صابر. (1993م). أدب المهجر. القاهرة: دار المعارف.
    6. مسعود، جبران. (1993م). رائد الطلاب (ط 12). بیروت: دار العلم للملایین.
    7. ناعوری، عیسى. (1959م). الأدب المهجری فی أمیرکا. القاهرة: دار المعارف.
    8. نعیمة، میخائیل. (1974م). جبران خلیل جبران (ط 7). بیروت: مؤسسة نوفل.
    9. ـــــــــــــــــــــــــــــــ . (1990م). دروب (ط 9). بیروت: دار العلم للملایین.
    10.  ـــــــــــــــــــــــــــــ. (1972م). کرم على درب (ط 6). بیروت: مؤسسة نوفل.

     

    ب) الفارسیة

    جعفری، مسعود. (1378هـ. ش). سیر رمانتیسم در اروپا. تهران: نشر مرکز